تامر حسني شهرتك لا تبرر لك العبث بمشاعر المرضى …
“تامر حسني عنده فيلم جديد”!
نظرت إلى صديقتي، محاولة أن أتبيّن: هل يجب أن أفرح لذلك؟ هل هي دعوة منك للذهاب إلى مشاهدة الفيلم؟
لم أشعر بالحماس أبداً، فلست من عشاق صوت تامر أو أغاني تامر.
في أحدث أفلامه، والذي يحمل اسم “مش أنا”، وهو من تأليفه وهو أيضا كاتب السّيناريو والحوار، يقدّم تامر حسني شخصيّة حسن، الشّاب الفنّان، الذي يعيش مع والدته المريضة، وهو أيضاً مصاب بما يُعرف بـ “متلازمة اليدّ الغريبة”.

هذه المتلازمة، التي تُعرف بالإنجليزيةّ باسم “The Alien Hand Syndorime، هي ظاهرة قد يُصاب بها الإنسان، وتتسبّب في عدم قدرته على التّحكم في يده، وتتصرّف اليدّ بشكلٍ منفصل عن دماغ الإنسان، وفقاً لموقع المكتبة الوطنيّة الأمريكيّة للدواء، والمعهد الوطني للصحة.
لم أسمع بهذه المتلازمة من قبل، ولكن في نفس الوقت يا ليتني لم أسمع بهذه المتلازمة من فيلم لتامر حسني!
لن أتحدّث عن الشّخصيّات الهزيلة، والقصّة البطيئة المملّة الطويلة، والحوار الباهت الذي لا يؤدي إلى أيّ تطوّر في القصّة، لن أتحدّث عن الأخطاء في الأداء، والدّيكور، والملابس، وغيرها.
لكن هذه الظّاهرة التي تعتمد على إضحاك الناس من خلال متلازمة نادرة يعاني أصحابها منها بصورة كبيرة، هي أمر لا يمكن السّكوت عنه أبداً.
المشكلة في معظم هذه الأفلام المصّريّة أنها يجب أن تكون مضحكة أو كوميديّة، وهذه صورة نمطيّة أفشلت الكثير من الأفلام، لأنها بدأت تعتمد على السّطحيّة، والبذاءة في الألفاظ، والإساءة إلى مجموعات معيّنة من الجمهور، وابتعدت عن الجانب الإنساني، الذي يعاني، ويتعب، ويحزن في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يشعر بالسّعادة، والأمل، والتفاؤل.
تامر حسني في هذا الفيلم لم يسخر ممن يعانون من هذا المرض، وإنما جعل هذا المرض وجبة للضحك. تخيّل شخصيّة رجل أعمى في فيلم، كلّما حاول المشي للأمام يصطدم بحائط ويقع أرضاً، ويضحك الجمهور على مثل هذه الحركات، هذه ليست لقطات لنلبّي حاجتنا إلى المرح والضحك، بل هذه لقطات يجب أن تزرع فينا الوعي بوجود أشخاص كهؤلاء في حياتنا، علينا أن ننتبه لوجودهم، ولمعاناتهم.
ما أستغرب منه أيضاً في هذا الفيلم، وغيره من الأفلام المصّريّة بشكل عام، هو أن صناعة الفيلم أصبحت مثل اللعبة بين الأصحاب:
“تعال مثّل معي في فيلمي.”
“حاضر، أنا بالطريق…حضّر النّص والموقع”
وجوه لامعة أثبتت موهبتها الفذّة في التّمثيل، وتقمّص الشّخصيّات، والدّخول إلى قلب المشاهدين، أبدأ من سوسن بدر، مروراً بماجد الكدواني، وانتهاء بإياد نصّار، ما الذي يجعلهم يشاركون في مثل هذا العمل، الذي لن يضيف شيئاً إلى مسيرتهم الفنيّة؟ إن كان العائد المادي مغرياً لهذه الدّرجة، لا أتفق معهم في توجّهاتهم أبداً، وأرى شخصيّاً أن المبادئ والقيم هي الأولويّة بالنسبة لأيّ شخص.
خيبة الأمل الأكبر شعرت بها بعد انتهاء الفيلم، وإضاءة الصّالة. نظرت حولي، وجدت أن القاعة كانت مليئة حتى آخر مقعد. تساءلت في نفسي: أين كلّ هذا الجمهور عندما يكون الفيلم عربيّاً مستقلاً قصّته إنسانيّة بامتياز، وتروي أحداث الفيلم بشكل ممتع وبصري جاذب؟ هل نذهب لمشاهدة فيلم تامر حسني لأننا نشعر بالملل؟ أم لأننا نحبّه كمطرب؟ أم لأن لدينا بعض الوقت حتى نضيّعه؟ أم أن قساوة الحياة ومعاناتنا اليوميّة بين العائلة والعمل والضّغوطات تجعل من شرائنا تذكرة لهذا الفيلم حجة للهروب من كلّ هذا الضغط؟
نهاية الحديث، قد يستاء البعض من تسليط الضوء على الفيلم. هناك من يقول: إن لم يعجبك، تجاهليه.
لا أتفق كثيراً مع هذا الرأي. فإن نظرنا إلى أرقام المشاهدات والإيرادات، سنجد أنها عالية، وللأسف في هذا الزّمن الأرقام المرتفعة تعطي الانطباع أن هذا الفيلم “كسر الدنيا”. هذه الفكرة يجب أن تتغيّر، فالتّأثير ليس بالأرقام، وإنما أيضاً بالآراء المكتوبة، والتّفاعل الإنساني حول محتوى هذه الأفلام. لكلّ هذه الأسباب، أكتب، وأسلّط الضّوء عليها، لأقول: “أرجوك يا تامر.. ليكن هذا الفيلم هو فيلمك الأخير”.
بقلم: سامية عايش لـ:CNN عربي