يوم المرأة – هل نحنُ ظالماتٌ أم مظلومات؟

إنَّ احتفالنا بيوم المرأة العالميّ يشبه احتفالنا بحبّنا للقراءة، إذ لا نقرأ، ولا يهمّنا ما يرد في الكتب والمراجع، ولا ما تحتويه من خلاصة تجارب أصحابها، وحكمتهم في التّعامل مع مواقف الحياة ومشكلاتها، ومع ذلك نتمسّك بالقراءة!
وكم من عبارة رنّانة وردت في المؤتمرات والنّدوات حول مكانة المرأة وأهمّيتها في المجتمع، وضرورة حصولها على حقوقها الإنسانيّة، ومع هذا يسمع أحدنا ليلاً صوت إحدى الجارات في البناء، وهي تصرخ بكاءً من تعنيف زوجها لها لفظيّاً أو جسديّاً! وكم من مرّة أيضاً سمعنا، ونحن أبناء عصر التّقنية والذّكاء الاصطناعيّ بأنّ رجلاً تزوّج على زوجته لأنّها لا تنجب سوى البنات، وذلك لأنّ “همّ البنات للممات”!

الحقُّ على من؟
يتكرّر كثيراً في العالمين الواقعيّ والافتراضيّ أنّ المرأة لا تحتاج إلى المساواة أو المطالبة بحقوقها انطلاقاً من فكرة أنّ المرأة هي التي تَظلُم نفسها بنفسها إمّا بتساهلها أو إفراطها بمطالبها كحقّ التّعليم، والعمل، والعيش حرّة وفق ضوابط وحدود خاصّة بها تختارها هي لوحدها من غير ضغوطات اجتماعيّة تُمارس ضدَّها، أو لأنّها هي التي تَظلمُ نفسها وبنات جنسها بالتّسفيه، وربّما بالغيرة أو الهجوم على أيّة محاولة للتغيير وكسر نمط صورة المرأة الضّعيفة والمسكينة.
أيّاً كانت درجة مشاركة الضّحيّة في ظلم نفسها بطريقة أو بأخرى، فإنّنا لا نستطيع تجاهل فكرة تعنيف المرأة في المجتمعات عامّة شرقاً وغرباً وبدرجات وأشكال مختلفة على أيدي الرّجال أوّلاً وآخراً والقصص اليوميّة والإحصاءات العالميّة للمنظّمات الحقوقيّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ تؤكد هذا، ولا نحتاج إلى عرضه في هذا السّياق، فقد بات معروفاً لدى الجميع.

بعيداً عن الأديان …
قد يتنطّع أحدهم ويقول: إنّ المرأة مكرّمة ومعزّزة في أدياننا السّماويّة، وفي عهد الأنبياء والرّسل، وليس من المنطق أو المعقول تخفيض شأن المرأة أو إقصائها وإبعادها، كما أنّه ليس من المحبّب أن يتمّ تكريمها من خلال تخصيص احتفاليّة سنويّة وهميّة لها كعيد المرأة!
أقولُ بدوري: لا تحملُ الكتب الدّينيّة المقدّسة مقولاتٍ فكريّة مُتطرّفة أو نزعاتٍ أيدولوجيَّة قامِعة، تسعَى إليها أو تدعو لها، فهذه النّزعات والمقولات الأحاديّة المنغلقة ليست إلّا صنيعة خرافات ذكوريّة مريضة جعلت من الإقصاء منهجاً لها تنتهجه بغرائزيّة محضة، والتي ينبغي علينا الوقوف ضدّها ومحاربتها بشتّى الطّرق، وإن لم يكن، فبالوعيّ كأضعف الإيمان …

المرأة فكرة …
عندما تؤمن المرأة قبل الرّجل بفكرها الخاصّ بها ستتحرّر حتماً من كلّ القيود التي تؤلمها وتضايقها، وهذا سينعكس لا محالة على المجتمع كاملاً. إذ سيصبح بذلك هذا النّمط من التّفكير تمثيلاً كاملاً للنّضج، فخصوصيّة التّفكير نوع من تحقّق الذّات، وبالتّالي انفصالها عن الذّوات الأخرى، وتحويلها الأخيرة إلى موضوعات، ومن ثمّ قدرة على نقدها، ومعرفتها، والإحساس بها، بعيداً عن الصّلة البيولوجيّة النّفعيّة. بذلك تستطيع المرأة التّحرّر من كلّ سطوة تقف ضدّها مهما كان جبروتها …