يحدث اليوم في باريس ..
رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر يحدث اليوم في باريس
على الرّغم من كونه يوم عطلة لدينا، ونحن بحاجةٍ فيه لبعض التّجدّد، وربّما قليل أو كثير من الاسترخاء، ولكن الأخبار يمكن لها أن تقض مضاجعنا من كلّ حدبٍ وصوبْ، في هذه الأيّام.
جاءت الأخبار هذه المرّة من فرنسا، لكنها ليس أخبار مهرجان “كان”، ولا حوادث “الإليزيه”
ولا صخب العطور التي تتفاخر فيها تلك البلاد، ولا الفنون ولا الإنجازات
ولا أيّ شيء يمكن أن يخطر في البال، لن أطيل عليكم،
إذّ تطالعنا المصادر من هناك عن خبرٍ لا يسرّنا أن ننقله إليكم في مثل هذا اليوم، فعذراً وأسفاً منكم ومن الإنسانيّة جمعاء ..
الخبر روى تفاصيل اعتداء معلّم على طفلة كان يعطيها درسها الخاصّ، فاختلى بها على حساب الأمانة التي منحها له الأهل، ووضع إصبعه في فرجها، وسالت الدّماء منها! وافتضح الأمر بعد صراخٍ عاد بالأم مسرعةً لترى وليدتها، ذات الأربع سنوات، والدماءً تدفقت من بين فخذيها، والأستاذ واقفٌ لا مبالٍ بكلّ ما حدث….

ألا يدرك ذلك المسخ أن المعلم هو بمثابة الأب للأطفال الذين يتعامل معهم،
ألم تعلمه الحياة أن مهنة التّدريس من أرقى المهن وأكثرها احتراماً في تاريخ البشريّة؟!
على ما يبدو أنه لم يعلم بذلك، لأنه ليس من بني البشر.
الاتصال ورواية الوقائع جرت على لسان طبيب صديق للدكتور مأمون علواني، ومن باريس كان قد روى فظاعة ما حدث،
لكن كيف لإنسانٍ أن يتحوّل فجأة إلى مسخٍ لا يشبه البشر، ويتعامل بكلّ جنون مع أبناء جنسه؟! من هي الجامعة التي قدّمته أستاذاً ومنحته الحقّ بأن يكون مدرّساً يعلّم الأطفال؟!
يا سادة :
إنّ الأخلاق قبل كلّ علمٍ وكلّ شهادة جامعيّة، إن فقدناها فقدنا كلّ ما يمتّ للحضارة بشيء، وهذا ما ذكرته كتب الفلسفة والأخلاق ونصوص الدّين، وكلّ ما تعلمناه في مدارسنا، وما أقبح من يدرّس ويتعلّم ولا يحمل في جنسه خُلقاً وقيماً، سيتحوّل لا محال لحيوانٍ ضارٍ ومفترس، بل لرتبةٍ أدنى من الحيوان، وستكشفه الأيّام، وتعلن عن حيونته، وسيجرّ لأهله وقومه العار مدى الحياة.
يطالعنا الأديب الرّاحل ممدوح عدوان في كتابه “حيونة الإنسان” إجاباتٍ عن أسباب التحوّل، وأسباب العنف التي تصدر عن البشري ولماذا تنشأ، وفي كلّ مرّةٍ اسمع فيها عن مثل هذه الأخبار أقول لقد تفوّق إنسان اليوم على الحيونة التي كتب عنها “عدوان”، ولا بدّ من إيجاد تسميةٍ أخرى غيرها، والبحث عن دواء لكلّ هذه البشاعة، وما يجري من قصص فيها، ولا يغرّنا فرنسا أو غيرها من البلاد التي تتصدر قائمة الدّول المتحضّرة، فتلك الدّول يمكن في لحظة أن ينقلب رأسها على العقب، ولن نتمكن عندها من تحمل العفن المنتشر، ولا يسعني هنا إلا أن أستذكر بيت الشعر الجميل الذي ينفح بالوعي والحضارة الحقيقية للشاعر الكبير أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا
