أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامةمقالات عشوائية

وهم الضحية

د. فاطمة أحمد

يُقال: إنّ الحياة ليست سهلة وغير عادلة، لذا لا تقع أبداً في فخ الاستحقاق، الذي يجعلك تجترّ الشّعور بأنّك ضحيّة، فأنت لست كذلك!

ولكن ماذا لو كان أكثر النّاس من حولك يحرصون على جعلك ضحيّة لأفعالك وقراراتك، ويدفعونك لأن تسلك هذه العقليّة وتأخذها منهجاً في حياتك؟ عندئذٍ ما الحلّ؟

تتردّد جمل يوميّة، مثل: (لماذا أنا تحديداً، الدّنيا ظالمة، لا أحد يحبّني، دائماً يحصل هذا معي، أنا شخص حظّي سيّئ ووحيد، الحياة شقيّة وقاسية …).

ليس الإنسان حرّاً في إطلاق هذه الأحكام وتقمّص دور المظلوم، لأنّه لا ينفصل عن مجتمعه من حيث عمليّة التّأثّر والتّأثير، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ الحكاية تبدأ منذ سنواته الأولى عندما يتربّى على أسلوب يبثّ في عقله أفكاراً سامّةً من غير أن يشعر.

إحدى هذه الأفكار تأتي نتيجة نقص الرّعاية العاطفيّة من قبل الأبوين، وسبب ذلك إمّا الانشغال بمتطلّبات الحياة أو جهل الوالدين بالتّعامل مع مشاعر الطّفل وتلبية احتياجاته النّفسيّة. وقد لا يكون نقصاً بل تعاملاً خاطئاً. وذلك باستحضار الأهل إحساس تأنيب الضّمير والتّقصير وتعويضه بكثرة الدّلال وإباحة كلّ شيء للابن/ة على مستوى القول والفعل معاً، فيطغى الأنا عنده ليظنّ نفسه محور الكون، وحينما يكبر يجد نفسه أمام مجتمعٍ بعيدٍ عنه، ويقع في عراقيل كثيرة فيصاب بخيبة أمل كبيرة، وربّما يدخل في مشاكل نفسيّة عديدة عندما لا يجد يداً تطبّطب عليه وتوفر له كلّ ما يريده فيكون ضحيّة أو هكذا يعتقد!

تذكّر أنّه من الضّروري جدّاً التّعامل بحكمة مع الأبناء لأنّهم ليسوا أبطالاً أو أميرات عالم “ديزني”، بل هم أناسٌ عاديون في هذا العالم الفسيح، ومكانتهم تُقاس بمدى احترامهم وفهمهم لذواتهم والآخرين، وبقدر ما يبذلونه من إخلاص وذكاء في العمل.

توقّع الكمال الدّائم

دعونا نتّفق على فكرة مهمّة، وهي أنّه لا توجد حياة كاملة مهما تراءت لأعيننا عكس ذلك، فالحواس خدّاعة وكثيراً ما تضلّ صاحبها عن رؤية الحقيقة، إذ ليس كلّ من امتلك مالاً وقصوراً يكون سعيداً، وليس كلّ من كان فقيراً يعتاش على كسرة خبز حزيناً. المسألة تبدأ من فكرة الاستحقاق. كلّما ارتفعت نسبة استحقاقك عندك أصبحت وطأة المشاكل أهون وتقبّلك لعثراتك أيسر، وبات التّعامل معها مبنيّاً على حكمة. وكلّما انخفض استحقاقك بنفسك زادت مشاكلك، وكثرت همومك وأحزانك، ووقعت في فخ الضّحيّة والخوف من المستقبل، وبالتّالي الرّكود والانكماش تجاه اتخاذ أيّ قرار خاصّ بك.

قانون المرونة

ليس هنالك شخصٌ سعيد بنسبة 100% أو مكتئب بنسبة 100%! إذ عندما تسلك سلوكاً تندم عليه فذلك لا يعني أنّك شيطان كما أنّ فعل سلوك خيّر لا يجعل منك ملاكاً. لأنّه، ببساطة، لا توجد حياة مثاليّة …  ولا تنسى أنّ كلّ البشر سيجدون أنفسهم في نهاية المطاف فرادى، أو لا بدّ من مرورهم بلحظات من الغربة في حياتهم مهما كانوا جبابرة وأقوياء!

وعليه فإنّه من المهم أن تتعلّم ألا تنتظر الدّعم المعنوي أو المادّي من أحد وإن كان أقرب المقربين إليك! فالإنسان يخلق ويموت وحيداً.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى