أحدث المقالاتمواهب واعدة

يا وكلاء الله .. إن ربّكم غفورٌ رحيم

سارة المقداد

يا وكلاء الله .. إن ربّكم غفورٌ رحيم

“كيف تحكمون عليَّ بالكفر؟”، لا لم يصدر بحقّي حكماً بالكفرِ بعد، ولكن ألم تسمعون تلك الجملة من قبل
تحديداً أنتم الذين تعيشون في تلك البقعة الجغرافيّة، أٌقصد بقعة الوطن العربي،
التي تُعزّز فكرة الخوف والتّوجس من “الأحكام الشّرعية” أكثر من مخافةِ الله الذي يغفر لعباده،
أمّا عباده فلا يغفرون لبعضهم، هكذا الأمر ببساطة.

أنا لا أُبالغ في طرحي هذا، فالتّكفير في زمننا الحالي أسرع حكم يمكن أن يصدره إنساناً على غيره لاعتباره أنه صاحب ولاية دينيّة،
أو وكيلاً لله على الأرض، فما عليه إلا إصدار الصّكوك الزّائفة، وتوزيع النّاس بين الجنّة والنّار، وكأن دخول الجنّة بيديه،
ها هو بالضّبط حال أغلب الجماعات الدّينيّة التي تحاصرنا الآن من كلّ حدبِ وصوب،
بعدما حقّقت مفهوم الدّين الأفيوني عبر فكرها المتطرّف، وغسلها المستمر لأدمغة الشّباب والصّغار والكبار حتى.

الأمر تجاوز فكرة التّعدي على الأديان بحجّة “نشر الدّين”، وتحوّل إلى تجارة مكشوفة تدرّ على أصحابها الملايين،
وتجرّ المجتمع نحو المزيد من التّخلّف، والجهل، وتغييب العقل، وتهميش العلم، والإساءة إلى الدّين باسم الدّين،
بعدما حوّلوا النّاس إلى أغنامٍ تتّبعهم كيف شاءوا، وأقنعوهم بفكرةِ الحاجة إلى رجالِ دين يقولون لهم ما يفعلون، وما لا يفعلون.
نتيجةً لذلك شاهدوا كيف تسبّبت بعض المفاهيم الدّينيّة التّقليديّة والمغلوطة في كوارث عديدة، ككارثةِ الإرهاب، العنف، حقوق المرأة، وغيرها الكثير، عدا عن الأحكام الشّرعيّة التّافهة المُقتصرة على يجوز أو لا يجوز، وبأيّ قدم ندخل الحمام،
راميين خلفهم جوهر الدّين وأساسيّاته.

هـل تشعرون بنشوةِ السّعادة وأنتم تثبتون لهم أنّهم على حقّ،
هـل أنتم بحاجةٍ فعلاً لمن يقول لكم إن الدّين الصّحيح ليس بالاتهامات وتخوين الآخر، والهجوم بالسّبّ والدّعاء عليه،
هــل أنسوكم أخلاق الدّين الصّحيحة؟ كيف مشيتم خلفهم وهم يشوّهون صورة الله في نفوسِ عباده الذين باتوا يخافون النّاس أكثر من ربّهم، ويحسبون ألف حسابٍ وحساب لكم، من دون التّفكير بالله.

يا وكلاء الله .. إن ربّكم غفورٌ رحيم

كفاكم رفع شعارات دفاع عن الدّين

مشكلات النّاس لن تُحلّ بتلك الجمل التي تردّدها حناجركم المأجورة،
فالعنف وفرض الرّأي بالقوّة لا يمتّ لصفة الرّحمة بأيّ صلة، ولكن يبدو أنكم نسيتم الآية التّالية:

وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين” – سورة الأنبياء 107،
وآيات أُخرى تُثبت تناقضكم مع الله وكتبه السّماويّة مثل “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” – الكهف 29، في القرآن الكريم.

هل الإصلاح باعتقادكم يكمن باقتصاص الأحكام الشّرعيّة التي تقتلون النّاس وترهبونهم فيها،
أو تنبذونهم وتحتقرونهم، وفي أبسط الأحوال تغلقون أفواههم وإذا فتحوها تهدرون دمهم باسم الدّين والعادات،
ومن بعدها تعتبرونهم كُفارّاً، وتحرّمون الرّحمة عليهم. ما من أحدٍ ينتشلنا من هذا كلّه؟
ويعيد للدّين مكانه الصّحيح والبعيد عن تغييب العقل؟ بعيداً عن “محتكري الله” الذين يصوّرون لنا أن الله لهم وحدهم!

من أنتم بالضّبط؟ كيف تربّعتم على “عروش الدّين”، وقدّتم الفكر المجتمعي بلباسكم الدّيني،
وحوّلتم أمّتكم إلى أمّة ببغاوات تعيد وتكرّر أحكامكم المزيّفة، التي لم يعد استطاعتهم أن يروا ويسمعوا غيرها،
على الرغم أن الله وحده صاحب الحقّ في حساب البشر،
ولكن لا عتبَ عليكم. العتب على من لم يحاول تنقيح ذلك الخطاب الدّيني أو تصحيحه.
لذلك سلمت يداكم فأنتم أرهبتم المجتمعات العربيّة،
وعشّشتم الخوف داخلها نتيجة أحكامكم وألسنتكم وعيونكم التي لا ترحم أحد، وكأنكم معصومون عن الخطيئة.

ولكن زمن الأنبياء انتهى، جميعنا نرتكب الأخطاء، لسنا صالحين بما يكفي،
ولكننا نخاف الله، لا نتمسح بأديانهِ مثلكم،
ولا نتّبع حيلاً رخيصة كي نثبت للنّاس إننا مؤمنين،
فإرضائكم غاية لا تدرك، وما يهمّنا هو الله وحده، فكفاكم تكفيراً بالبشر.

يا وكلاء الله .. إن ربّكم غفورٌ رحيم

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى