هبة طوجي اعتذرت … ونحن مدينون لها باعتذار
رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

هاجت صفحات “فيسبوك” وماجت ما إن اعتذرت الفنّانة هبة طوجي عن إحياء الحفلين المقرّر إحياؤهما خلال الثّلث الأوّل من شهر آذار، لا بل إن كثيرين لم يأبهوا للحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا بقدر الاهتمام بما قالته “طوجي” آخذين بتحليل كلّ جملة مما نطقته وبتفسيرها، وكأنّ في الأمر مصير عظيم تتجه إليه البلاد؟!
من الجميل أن نسجل موقفاً مهمّاً، وأن يكون لدينا ردّ فعل إيجابي يجمعنا، لكن ما وجدناه من كلّ ما كُتب وقِيل ليس بالإيجابي أبداً، فهذه الفنّانة لم ترتكب حماقةً بحقّكم! وكلّ ما قامت به هو الاعتذار لكم، باسمها وباسم أعضاء فرقتها بما فيهم الفنّان أسامة الرّحباني، ومن يتابع الفيديو الذي ظهرت فيه “هبة” سيدرك تماماً أن احترامها للنّاس هو ما جعلها تبثّ مثل هذا الاعتذار، فقد حصل مرّة في العام 2020 أن كان لديها حفل في نفس المكان وتمّ إلغاءه لظروف الوباء المنتشر، وهذه الثّانية، وربّما يحصل مرّاتٍ قادمة، ولا داعي للانفعالات الزّائدة في حين أنّها لا يجب أن تكون، ولن تنفع مطلقاً، إلا أنّها ستعبّر عن خفايا مستقرّة من الصّعب التّخلص منها إلا إذا أدركناها جميعاً، فإنكار الحقائق لا يغيّرها.

وللأمانة هذا ما دفعني لرغبة كتابة المقال، فلا الهدف تسجيل موقف دفاعي عن الفنّانة والفرقة ولا الإشارة للخطأ وكفى، لكن الدّافع بحقّ هو دعوة للتّفكير مليّاً بما نكتب وبما نعلّق قبل أن ننشر، فمن واجبنا وضع حدٍّ نهائي لهذه السّاديّة الكلاميّة. يجب أن يدرك الجميع حقيقةً معلنة في الدّراسات النّفسيّة تشير إلى أن الإهانة والتّشديد عليها تعني في بواطن من أطلقها العكس، وهذا ما تحدّثت به أستاذة علم النّفس “روبن كوالكسي”، لكن تكمن المفاجأة عندما نجد كلّ هذا الكمّ من الشّتم والتّعليقات السّلبيّة بأنّها تعني العكس تماماً، أيّ أنّ الرّغبة الحقيقيّة هي أمنية حضور الفنّانة وحفلتها لا عدم وجودها! لا بدّ أنّه نوع من أنواع الفصام، حيث تجد أنّ النّسبة العظمى تتحدّث بنفس اللّسان في حين أن دوافعها النّفسية هي عكس ما تعبّر.
لم يرَ أحدكم بأنّه من الممكن أن يكون لدى الفنانة وفرقتها ظروف قاهرة، ولا يمكن عندها القيام بالحفل، بل ربّما هناك في الكواليس ما هو غامض على الجميع ولا يمكن البوح به علناً، ولا يمكن أن تشرحه في بثٍّ قامت به فقط كرمى عيون محبّيها وجمهورها.

لنتخيّل معاً أنّ ردّ الفعل لدى جميعنا تمحور حول: تقدير الظّرف المزعوم، وأن أبوابنا مشرعة ومفتوحة في وقتٍ مستقبليٍّ قادم، أو غيرها من لغات التّعبير الصّريحة في المحبّة وكرم الضّيافة … أمّا كانت صورتنا أفضل؟ أمّا كان تضامننا أرقى؟ ودلالاته لا تشير إلا إلى رحابة الصّدر والاستيعاب، وبالتّأكيد ليس ضيق الصّدر والأفق.
إن دلالات ردّ الفعل الذي وجدناه في صفحاتٍ عدّة لا يدلّ إلا على كرهٍ بنته سنوات الحرب، إذّ لا يكاد يقوم شخص بفعل من ذاك الصّوب حتّى تموج الكلمات بانتقاداتٍ لاذعة، وتصبح الحالة أشبه بتنمّرٍ جماعي ولغة جمعيّة لا أحبّذها لأبناء بلدي الذين أراهن على وعيهم دائماً.

ردّ الفعل هذا لا يدلّ على تسجيلنا لموقف مهمّ، وقد اشتقت لقراءة تعليقٍ واحد يوضح مثلاً: بأنّه لا نصيب لـهبة طوجي، التي تسعى لوضع نفسها في مكانٍ مميّز بين أصوات الغناء في العالم العربي، لا نصيب لها في الوقوف على مسرح دار الأوبرا في دمشق، الذي احتضن يوماً أجمل وألمع النّجوم من العالم كلّه كفيروز، صباح فخري، وديع الصافي، “ريتشارد كليدر مان”، نجاح سلام، ميادة الحناوي، عابد عازرية، صفوان بهلوان، مارك بيرينود، ماجدة الرومي، غزوان الزركلي، وعشرات الأسماء من الفرق والموسيقيين والمطربين …
فلنعود ليوميّاتنا؛ لا أنّ ندعم اللغة السّوقيّة، لنتأمّل حافلاتنا التي ما تزال تغصّ بالرّكّاب بطريقةٍ مُذلّة، والطّرقات الخانقة التي تكاد لا ترغب في إيصالنا لأماكن العمل أو لبيوتنا، فلنتذكّر أنّ أيّامنا بحاجة للاجتهاد والعمل بصدق، لا أن نغرق أكثر في تدمير القيم، ولنتذكّر أنّنا بحاجة اجتماعنا على كلمة واحدة، ليس كهذا الأمر بل في المهمّ والحيوي منه، والذي يصبّ في صلب حياتنا كسوريين … فابتعدوا عن هذا الضّجيج أرجوكم.
