أهم المقالاتالمقالات عامةبقلم رئيس التحرير

هل من منقذ لما تبقى من نواعير حماة؟

رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

تحفة ابتكرها الأراميون، سكان المنطقة الأساسيين، يقدّر عمر أقدم ناعورة حمويّة بما يقارب 500 عام قبل الميلاد، القصد الأساسي منها رفع مياه نهر العاصي المنخفضة المستوى بصناديق خشبيّة إلى مستوى أعلى حيث الأراضي والبساتين والحدائق، إذّ يصل فارق العمق بين المستويين أكثر من 70 متراً، كما تمّ الاستفادة من جرّ المياه هذه لتصل إلى البيوت والمساجد والحمّامات.

نواعير حماة
نواعير نهر العاصي

نواعير حماة معلم سياحي، لا تمتلك البشريّة مثلها على مستوى العالم ومرّ العصور، ارتبطت بجغرافيا بلاد الشام وتحديداً منطقة حماة وما حولها، فهي ابتكار محلي وظّفه الحمويون ليصبح مع مرور الوقت كآلة زمنيّة للمنطقة، تُذهل من يراقبها وكأنها ساعة زمنيّة خاصّة، تتألف دورتها الكاملة من عشرين ثانية تعطي خلالها 2400 لتر من الماء.

فقط في العام 1999 أُدخلت في القائمة الإرشاديّة المؤقتة لمواقع التّراث العالمي لليونسكو.

من المذهل أن نعرف أسرار هذا الدّولاب الكبير، أنه مكون من مادّتين أساسيّتين، الخشب وبعض الحديد، لكن الغريب أنها تتألف من 19 قطعة، وبعض هذه القطع لا يمكن أن تنجح في ميكانيكيّة الدّوران إلا إذا كانت من خشب معيّن، كالجوز أو المشمش!

يرتبط مع نواعير حماة الصّوت الخاص بحركة النّاعورة وميكانيك هذه الحركة الدّائريّة، وهذا الصّوت المستمر فرض وجوده على النهر متحالفاً مع سكان حماة، ومنه جاء الاسم أصلاً “ناعورة”، والذي يعني صوت يصدره الأنف البشري في أعلى جزءٍ منه، فصوت هذه النّواعير هو طبقة خاصّة من صوت البشر، يبدو أن حماة هي المدينة الوحيدة التي قدّست هذا الصّوت فعاش مع الزّمن إلى يومنا هذا.

نواعير حماة
نواعير مدينة حماة

أمّا الأراميون فقد يفتخرون بهذا المُنجز العلمي، فنجده مؤرّخاً في لوحة فسيفسائيّة، يعود تاريخها للقرن الرّابع قبل الميلاد، عُثر عليها في مدينة أفاميا الأثرية بالقرب من حماة، ويمكن الاطلاع عليها اليوم في حديقة المتحف الوطني في العصمة دمشق.

كان عدد نواعير مدينة حماة والأراضي التابعة لها 105 ناعورة، في بداية القرن العشرين، منها 25 داخل المدينة حماة نفسها، لكن تقلّص العدد مع مرور السّنين وجرّاء الإهمال والتّعدي إلى 40 ناعورة فقط، ومؤخراً وصل العدد إلى أقلّ من ذلك وتوقّفت عشرة من أصل 25 ناعورة في المدينة وريفها عن الدّوران، ويبدو أن إعادة تأهيل النواعير المتوقفة يواجه صعوبات عدّة منها أن المؤهلين لإصلاحها إما فارقوا الحياة أو هاجروا، كما أنه لا يمكن إصلاحها بأي آلات وطرق حديثة، بل فقط بأساليب تقنيّة قديمة، وبأنواع محددة من الخشب لا يمكن تأمينها بسهولة كما في السابق.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى