أحدث المقالاتأهم المقالاتمقالات عشوائيةمواهب واعدة

نحن أمّهاتنا… باللاشعور يقودنا القدر لنكون نسخةً عنهنّ!

رهف عمار

أُفكر دوماً بيني وبين نفسي، هل سأكون متسامحةً مع أختي الصّغيرة التي دخلت مرحلة الثّانويّة مؤخراً، عندما أراها مع شابٍّ يافعٍ لم ينضج بعد؟

أنا التي لم يمضِ على تصرفاتي هذه أكثر من عشر سنوات، أيعقل أن أصبح نسخة عن أمّي بهذه السّرعة، بينما كنت أشعر سابقاً أن هذه التّصرفات حقّ مشروع لي، وما الذي سيحدث لو تأخّرت عن البيت ثلاث أو أربع ساعات بعد المدّرسة؟! وما المشكلة في مواعدة أحد الصّبيَة الذي أُعجبت به، وربّما أحبّته بمشاعر بريئة لا تتعدّى التّسكع في حديقةٍ تضجّ بالأولاد؟! هل سيتوقّف الكون إن تجاهلت دراستي قليلاً؟!

فكرت بيني وبين نفسي، لماذا باتت هذه الأمور تُقلقني تجاه أختي، ولماذا لساني يردّد عبارات أمّي مثل: “الزّمن تغيّر”، و”لم يعد بالحياة أمان”، “أخاف عليكِ”!، فأنا عاهدت نفسي أن أكون أكثر انفتاحاً وحضارة، وأن أكون صديقة ابنتي، وبيت أسرارها.

لكنّني اكتشفت للتّوّ أنّه بشكلٍ أو بآخر تسكننا أرواح الأمّهات، وتقودنا لنكون مثلهنّ، مهما انفتحنا على عالم التّكنولوجيا والمعلومات والبلاد الغربيّة، ومهما سافرنا وتعلّمنا واكتسبنا المهارات، وحتى لو نجح بعضنا في إخفاء روح أمّهاتنا، وتظاهرنا أمام العابرين، وعبر مواقع التّواصل الاجتماعي بالحضارة وإعطاء الحريّة لبناتنا أو لإخوتنا الصّغار – كما أفعل أنا تماماً – فالحقيقة أنّني أشعر بالغليان والجنون عند رؤية تصرّفات المراهقات، وصوت خفي بداخلي يجعلني أرغب أن أصرخ بوجههن، و أبعثر مكياجهن الذي لا يناسب ملامحهنّ البريئة، وأن أقول لهم اذهبن إلى دروسكن، ولكنّني بعد ذلك أدرك بأنّي قد سبق وفعلت ما يفعلنه!

نحن أمّهاتنا... باللاشعور يقودنا القدر لنكون نسخةً عنهنّ!

رأيت أختي منذ يومين، وقد أمضت أكثر من ساعتين مع الجوال، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أردّد عبارات أمّي: “اتركي هالموبايل من إيدك، وع دروسك فوراً”، ومرّةً كنت في الشّارع، وصادفتها تضحك بجنون، فشتمتها حين عدنا للبيت، كما كانت تفعل أمّي معي، لكنّني في الظّاهر لا أودّ أن أكون مثلها متقوقعةً ومعزولة عن العالم، ولكن أضع دوماً الشّماعة التي تربينا عليها “مجتمع شرقي لا يرحم”.

حدّثتني أمّي ذات مرّة؛ أنّ أمّها كانت تعاملها بقسوة، وتجبرها على العمل بالحقل والاستيقاظ باكراً، ومقابل ذلك قرّرت ألا تجعلنا أنا وإخوتي نعيش ذات المأساة، لكن في الحقيقة نحن نعيشها بطريقة مختلفة، وأمّي نسخة عن أمّها، لأنّ جدّتي أيضاً تحدّثت عن معاناتها مع والدتها سابقاً، لكنّها فعلت ذات الشّيء بأمّي.

الفرق بيننا وبين أمّهاتنا حاليّاً أنّنا أصبحنا في عصر التّكنولوجيا، الذي أتاح لنا ابتكار أساليب جديدة في النّفاق الاجتماعي عبر مواقع التّواصل، ونكتب أفكاراً نتمنّى لو كانت واقعنا، ونبسط أموراً هي بالأساس غير قناعتنا الدّاخليّة، لأنّ تأثير أمّهاتنا لا يستهان به، والبيئة الشّرقيّة حاضنة ممتازة لقناعتهن.

يقول أحد الأمثال الشّعبيّة المتداول في بلاد الشّام: “طُبّ الجرّة ع تمّا.. البنت بتطلع لأمّها” أيّ أنّنا نشبههنّ في الملامح وطريقة الكلام، والتّصرّفات وطريقة الحبّ والكره، ونبذ شخص ما، والتّقرب من آخر، لذلك لا تحاولن إنكار أنّنا نشبه أمّهاتنا في الخفاء، أمّا في العلن فكونوا ما تُرِدْن.

نحن أمّهاتنا... باللاشعور يقودنا القدر لنكون نسخةً عنهنّ!

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى