أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامةمقالات عشوائيةمواهب واعدة

امرأة الفكر والثقافة ولقطات من حياتها في الغرب

نور قاسم مطر

لكلٍّ من اسمه نصيب …

الدّكتورة نجاح العطّار، اسمٌ يوحي بكثيرٍ من الألقاب الثّقافيّة، بكثيرٍ من المكانات الفكريّة، ربّما لأنّنا مبرمجون لخلق قوالب جاهزة لكلّ شخصٍ منتمٍ إلى الثّقافة والعمل، ننسى كيان الإنسان وننسى ما في حياته من جوانب وأدوار عديدة، أوّلها كونه إنسان.

الدّكتورة نجاح العطار، تقدّم لنا كتابها الجديد “أوراق شخصيّة في بريطانيا والوطن”، زاويةً أخرى من حياتها، قد تظنّ وأنت تقرأ العنوان أنّك ستقرأ سيرة ذاتيّة لشخصيّة ثقافيّة اعتباريّة، لكنّك ما أن تشرع بقراءة الكتاب حتّى تنتقل إلى عالمٍ لسيّدة عربيّة سوريّة طموحة، تحمل معها صورة حيّة لدمشق الأم، وتمضي قُدماً في عالمٍ يحوطه المجهول والخوف، تلتقط عيناها صوراً وحكايات، وتدوّن ما تسمعه، يُخيّل إليك صورتها وهي جالسة تنصت إلى قصص من نساء الغرب، تتفاعل مع همومهن، وتهرع إلى قلمها تنسج خيوط الحكايا بحروف أدبيّة ولغة عالية وصور جميلة، وتتركها للذّكرى والقراءة، وبعد سنين تنشرها مع خطواتها العلميّة لأنّ ما فيها يستحق النّشر.

كتاب أوراق شخصية في بريطانيا والوطن

تنقل لنا الدّكتورة نجاح الأجواء المحيطة بها منذ لحظة وصولها إلى ادنبرة، وتخطّ ما تراه من وصف وملاحظات تقارن فيها في أحيان كثيرة بين المجتمعين العربي والغربي، لكنّها تروي من دون مقارنات قصصاً كثيرة لنساء غربيّات وتجاربهن في الحياة الزّوجيّة وتحمّلهنّ المسؤوليّة، ترى فيها صورة المرأة المشتّتة المظلومة التي أحبّت وأخلصت وتزوّجت وأنجبت، وفي ليلةٍ يقرّر الزّوج الانسحاب من هذه العلاقة التي تقيّده! امرأة أخرى تترك الأهل وتجري وراء حُبٍّ أسود … وفي أوّل ليلة ترى وجهاً آخر لحبيبها الذي أصبح زوجاً وترك وراءه ثمرة هذا الزّواج غير آبهٍ بالأبوة ودورها! وترقد الأمّ حبيسة الفراش بسبب حادث عمل، ترجو من الزّوج البقاء والاستمراريّة على الرّغم أن كلاًّ منهما بمكان لكنّه يرفض ضارباً بآمالها عرض الحائط ليتركها لوالديها وابنها الشّاب محطّماً كلّ ذرّة أملٍ لها بالحبّ والأسرة … وأخرى تؤمن بأنّ الزّواج مقدّس ولا ينبغي أن تهدمه مهما حصل، وأنّ سرّاً ما يخبّئه الله في هذه المعاناة، تحافظ على أواصر زواجها وتغفل عن كلّ ألم … قصصٌ كثيرةٌ تنقلها لنا الدّكتورة نجاح، لكنّ اللّافت للنّظر أنّ هؤلاء النّساء عاملات ناجحات لم يلجأن للخنوع والاستسلام، أخفقن في حياتهن الزّوجيّة نعم، لكنّهن مضين للحياة والعمل.

كما عالجت الدّكتورة العطّار أسباب هذه الحالات الاجتماعيّة التي وصل إليها المجتمع الإنكليزي على الرّغم من التّقاليد الصّارمة، وأرجعت ذلك بحسب رأي الإنكليزيّات إلى الثّورة الثّقافيّة والسّياسيّة والفكريّة بعد الحرب العالميّة الأولى، لكنّها بعد الحرب العالميّة الثّانية ناضلت حتّى أخذت شكلاً جديداً لحياتها وحريّتها، وتتابع أنّ المجتمع الإنكليزي لا يقف عاجزاً أمام المشكلات لكنّه أوجد مؤسّساتٍ تهتمّ بالمشكلات داخل إطار الزّواج، ومؤسّسات أخرى تعتني بشؤون تلك العائلات في حالة الانفصال، وذلك فرقٌ بين المجتمعات العربيّة والمجتمعات الغربيّة، هذا ما نفتقده … الدّور المؤسّساتي والوعي.

الدكتورة نجاح العطار

عندما تنتهي من القراءة تجد أنّ القصص التي قدّمتها الدّكتورة العطّار تعزّز ما قدّمه الطّيّب صالح في “موسم الهجرة إلى الشّمال”، صورة منطقيّة عميقة عن الغرب، وليس الانبهار من الخارج في شخصيّة مصطفى سعيد وترعّرعه في الغرب، لكنّه بعد حياة طويلة عريضة فضّل أن يترك هذا المجتمع ويعود إلى النّيل.

تقودك الدّكتورة من دون أن تفصح عن ذلك، فتستنتج أنّ المجتمع الغربي لا يختلف كثيراً عن المجتمع العربي، وهموم المرأة تكاد أن تكون واحدة في كلّ مكان مع بعض الفروقات، وأنّ المجتمع العربي يعتني كثيراً بالأسرة وحقوقها.

إضافة مهمّة يقدّمها الكتاب وهي الإصرار وتحدّي كلّ المعوّقات في مسيرة لامرأة عربيّة سوريّة بنت لبنات نجاحها بنفسها وعلمها، حبّ الأرض والوطن والإنسان شعارها، سطّرت ما وصلت إليه بخطوات علمٍ ثابتة من نجاح إلى نجاح.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى