أشير اليوم إلى حقيقةٍ لا يمكن لأحدٍ تجاهلها حتّى لو تعمّد ذلك، إذّ لا يمكننا أن نخدع الجمهور.
مهما زيّفنا الصّورة، ومهما بهرجنا في طريقة تقديمها، ومهما كان التّسويق ضاجّاً بالألوان والخطط الإعلانيّة … فإن لا شعور المتلقي للمادّة الفنيّة سيبقى قادراً على تمييز الجميل من الأقلّ جمالاً، وكذلك من المزيّف.
استطاعت الفنّانة ميس حرب الصّعود بين كلّ الضّجيج والدّوي الصّاخب في ساحة الأغنية، بثقةٍ وثباتٍ، وبالإصرار على لونٍ ملتزم، وقريبٍ من النّاس ببساطته وصدقه في ثنائيّة منسجمة بين الكلمة المغنّاة والجملة الموسيقيّة، والدّاعم الأبرز لهذه المزاوجة الفنّان رشيد هلال في لحنه، وتوزيعه، واجتهاده على منح “ميس” أغنيةً خاصّةً، تُلَوِّحُ لنا بذكرياتنا مع الأغنية الفيروزيّة الرّحبانيّة.
بلا رتوش، وبلا ألوانٍ مبهرة، ولا ترويج إعلاني برّاق أو إعلامي مقصود، تتنقل ميس حرب في نشاطها الفنّي على مسارح نتشرف أن ترفع فيها اسم الوطن عالياً، فقبل مدّة بسيطة كان تردّد أغنياتها السّوريّة في مهرجان جرش في الأردن، وفي فترةٍ أسبق كان لها حفلات في بلادٍ أوربيّة، دردسن – ألمانيا، هلسنكي – فنلندا …
كلّما أمعنّا في السّنوات الماضية نجدها تترك بصمة؛ لا تدلُّ إلا على المواظبة الصّادقة والتّمكّن من أداء الأغنية، بمواضيعها المتنوّعة في الحبّ، والغزل، واللّوعة، والوجدانيّات المشتركة بيننا جميعاً.
تحدٍّ أكبر قامت به “ميس” برفقة زوجها “رشيد“، وأوركسترا سيّد درويش، حيث طرحوا ألبوم غنائي جديد حمل عنوان “تموز“، في زمنٍ باتت هذه المهمّة شاقّة جدّاً على أبرز نجوم الغناء في الوطن العربي، بل متعبة للأكثر شهرةً ونفوذاً من بينهم! ها هو الألبوم الجديد يُشهر ويُعلن عنه من دار الأوبرا السّوريّة، من خلال حفلة ضمّت مجموعة أغنيات “ميس” الجديدة، لن أذكر عناوينها من كلمات وألحان وتوزيع، وفقط أدعوكم للاستماع إليها كي تلتقطوا وحدكم ما تحمله من أحاسيس، وعمق، واهتمام في تفاصيل صناعة أغنية خاصّة، على الرغم من كلّ الصّعوبات.
كم جميل أن يبرز اسم جديد عبر فرقة سيد درويش، في خصوصيّة تفرض نفسها بتفرّد، وأقصد العازف ذي الخمس عشرة عاماً، سلطان هلال، يظهرُ بثقةٍ على المسرح بين مشاركة الفرقة عزفها، وتجربة التّوزيع الموسيقي، والوقوف أمام والدته ميس حرب في أغنية “فيروز وزياد”:
“بتذكّرك كلّ ما تِجي لَتغَيِّمْ
وجَّك بيذكّر بِالخريفْ
بتِرجَعلي كلّ ما الدّني بدّا تعتِّمْ
مِتل الهوا اللّي مبلّش عَ الخفيفْ
القصّة مش طقس يا حبيبي
هَيْ قصّة ماضي كان عنيفْ
بس هلّق ما بتذكّر شكِل وجّك
بس بِذكُر قِدّيْش كان أليف …
