أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمقالات عشوائية

مرض الشّهرة

د. مأمون علواني في حوار خاصّ مع د. فاطمة أحمد

ما الذي يدفع النّاس، ولاسيّما فئة الشّباب، إلى حبّ الشّهرة بشكل كبير ؟

هذا السّؤال مهمّ جدّاً ويلامس واقعنا بشكل كبير، إذ إنّ البشر عامّةً لديهم هدف في الحياة، وهذا الهدف يتلخّص في حبّ إثبات الذّات، ويلجأ تسعون بالمئة من النّاس إلى إثبات الذّات من خلال المظاهر، والقليل منهم يكون من خلال الأمور الرّوحيّة والعقليّة. في واقعنا الرّاهن تستولي مواقع الـ”سّوشيال ميديا” على حياتنا، وهذا ما يدفع الرّجال والنّساء إلى إخراج ما في نفوسهم من خفايا سواء أكانت إيجابيّة أم سلبيّة، بالإضافة إلى فتح أبواب عمل جديدة لم يكن يعرفونها سابقاً على أرض الواقع. فأصبحنا نسمع بـ: “بلوغر، يوتيوبر، انفلونسر…”، وبات كلّ من يمتلك بضع معلومات وحضور جيّد يخرج على وسائل التّواصل ويقدّم ما عنده من أمورٍ رغبةً منه في حبّ الظّهور إلّا إذا كان هذا الحبّ هوساً فعندها بلا شكّ سيحتاج إلى طبيب معالج. أمّا إذا كان الشّخص يمتلك كاريزما في الحضور ومعرفة وثقافة عالية فإنّه بلا شكّ سينجح في عمله ويكون محبوباً من قبل الجمهور.

لكن ثمّة أمر مهمّ هنا، وهو ما تمتلكه التّطبيقات الحديثة من ميّزات تحسّن المظهر الخارجيّ وتساعد المرء على عمليّة الظّهور، والتي أصبحت محبّبة جدّاً، ولاسيّما عند الفتيات. وهذا الأمر لم يكن موجوداً في السّابق.

مرض الشّهرة

في عالمنا العربيّ حبّ الشّهرة موجود بكثرة، وخاصّة عند الفتيات، وذلك بسبب عوامل المنع والحرمان والانغلاق الذي يُمارس عليها، هذه العوامل تستدعي البحث عن بقعة ضوء في الظّل من أجل الرّؤية بحرّيّة أو تنفّس براحة من غير قيود مانعة وجارحة.

إنّ الشّهرة بحدّ ذاتها ليست ظاهرة جديدة، فهي موجودة في الماضي أيضاً، ولكنّها ازدادت مع تطوّر الأساليب في وقتنا الحاليّ، فمجالات الشّهرة الآن مفتوحة على مصراعيها. وللأسف في بعض الأحيان تحوّلت الشّهرة إلى عشوائيّة، فكلّ من هبّ ودبّ بات يبتغي الشّهرة. خذي مثلاً مليارات من الصّور العشوائيّة والمقرفة أحياناً لأشياء تافهة تتمّ نشرها بغية الحصول على الشّهرة. للأسف قد وصل حبّ الشّهرة عند بعض النّاس إلى الابتذال والتّفاهة! ولاسيّما في عالم الـ”سوشيال ميديا” طمعاً لتحقيق خطوة تجاه الشّهرة، وهذه الشّهرة الزّائفة، باعتقادي، هي شهرة هدفها الرّكض الدّائم وراء المال في الدّرجة الأولى والأخيرة.

مرض الشّهرة

لماذا تميل المجتمعات إلى متابعة محتويات التّفاهة في القنوات والمحطّات أكثر من المحتويات المفيدة؟

هذا سؤال ذكيّ والإجابة عنه يثير الألم في نفسي، أذكر هنا كتاب مهمّ اسمه نظام التّفاهة للدكتور: “آلان دونو”، الذي يتحدّث فيه عن انحلال المجتمعات وتفسّخها، وموقع التّفاهة في عقول البشر. ما أودّ قوله: لقد احتلّت التّفاهة موقعاً رئيساً في عقول البشر، أيّ أنّه تحوّل إلى نظام للتّفكير يخلق محاور مختلفة في الحياة، لقد كانت التّفاهة موجودة قديماً، ولكنّ أساليب ظهورها أصبحت متطوّرة، وهذا واضح جدّاً من خلال المواقع في الانترنت، وكيف أنّ هذه المواقع تُدار من أنظمة تروّج للتّفاهة التي تسيء لجوهر المجتمعات وإن لم تمثّلها. خذي مثالاً واقعيّاً عن التّفاهة: أحدهم نشر صورة لوحة فنّيّة أو مقال مفيد أو قصيدة جميلة ستجدين نسبة الإعجاب لا تتجاوز ربّما مئة، في حين صورة للفتة أو نظرة من فتاة أو تسريحة شعر ستجلب آلاف من الإعجاب والمتابعات! المسألة لا علاقة لها بالشّابات أو الشبّان، بل بالارتكاز على تقييمات تافهة تجاه الموضوعات والأشياء والأشخاص، وبفهم خاطئ لمعاني الحرّيّة، بالإضافة إلى الأحكام الازدواجيّة الغريبة الموجودة في العالم الافتراضيّ، والتي تختلف تماماً عن القيم الإنسانيّة السّامية التي تربّينا عليها في الصّغر.

مرض الشّهرة

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى