محمد سلطان … عملاق آخر يرحل عنا
عملاقٌ آخر يرحل عنّا؛ ويترك هذه الدّنيا بما فيها، بعد أن زرع أزاهيره الفنّيّة، خالدةً، لتبقى متفتّحةً فينا، بالمحبّة والجمال، والإبداع الذي لا يشبه أحداً، برقيّه ومكانته، كيف لا ونحن نتحدّث عن الموسيقار، الـ”جنتل مان”، محمد سلطان.
ليس مستغرباً أن نجد الموسيقار “سلطان” يُتقن العزف على آلتيّ العود والبيانو، مع مقدرة العزف على عدّة آلاتٍ موسيقيّةٍ أُخرى، فوالدته في الأصل كانت عازفةً، وتمتلك صوتاً جميلاً، ويبدو أنّ هذا المُناخ جعله يتّجه نحو التّهذيب العالي لكلّ لحنٍ قدّمه، ما يعكس شخصيّته التي تتمتع وتمتلك مثل هذه الصّفات، وتُفضي من إنائها على ما تنتجه من ألحانٍ وموسيقى، للأغنيات، والموسيقى التّصويريّة، وموسيقاه الخاصّة كذلك الطّابع.
يُعدّ الرّاحل محمد سلطان موسيقيّاً مثقّفاً، فقد بدأ تعلّمه لعلم الموسيقى في عمرٍ مبكر، كما درسها، ولو متأخّراً، إلا أنه لم ينقطع عن التّدرّب والممارسة والتّجربة معظم سنوات حياته. ومن الملاحظ أنّه قدّم ألحاناً منوّعة في الموشحات، والقصائد، والأغنية القصيرة والطّويلة وغيرها، وهي ما يدل على ثقافته الموسيقيّة الواسعة.
في شخصيّة الموسيقار “سلطان” نجد نوع من الشّموليّة في حياته الفنّيّة، فهو إن عرفناه ملحناً فذّاً، نجد له تسجيلاتٍ بصوته كمطربٍ حسّاس، وبما أن كلّ ملحن لا بدّ أن يكون مؤدياً أو بمثابة مطرب يغني لحنه على الأقل قبل أن يقدّمه للمطرب، إلا أنّنا نجد الرّاحل محمد سلطان كان في ميدانٍ فنّيٍّ آخر، فقد عمل ممثلاً سينمائيّاً، ووقف إلى جانب عدّة ممثلين أبطال في أفلامهم مثل الموسيقار فريد الأطرش، وكذلك خلف كاميرا المخرج يوسف شاهين، وتجارب أخرى عديدة.
ثنائيّة فريدة وناجحة جدّاً، إذّ لا يمكننا عندما نتحدّث عن محمد سلطان، إلا أن نستذكر المطربة الكبيرة والقديرة فايزة أحمد، حيث شكّلا ثنائيّاً بارعاً، هو في التّلحين وهي في الغناء، وكانا مثالاً للزوجين المتّفقين في السّراء والضّرّاء، وها هو قبل وفاته بمدّةٍ بسيطة يستعيد ذكرياته معها بالتّفاصيل، ويشير إلى تشجيع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب له، للبقاء إلى جانب هذه الزّوجة المميّزة بصوتها مع ألحانه.
غنّت “فايزة” أجمل أغنياتها من ألحان زوجها “سلطان”، فكانا من أجمل الأزواج في عالم الفنّ ومضربا مثل في الزّوجيّة النّاجحة، على الرّغم من كلّ الضغوط والظّروف القاسية التي يلاقيها الفنّان في حياته، فاستمر زواجهما وشراكتهما الفنّيّة ليثمر عن أغانٍ سطّرها التّاريخ الفنّي العربي، ولا يمكن أن تغيب عن الذّاكرة.
كانت هذه نبذة بسيطة، ألقينا فيها الضّوء على تاريخ كبير رحل، قدّم وأثرى المكتبة الموسيقيّة العربيّة، فشكراً لكلّ ما صنعه، ولكلّ اللّمسات الإبداعيّة الخاصّة … رحم الله الموسيقار المصري محمد سلطان.
