أحدث المقالاتمواهب واعدة

متىْ تتحوليّنْ لعانس؟!

سماح الحمادي

ذِيّعَ في مجتمعات العالم الثّالث صيتٌ استهجّانيٌّ جاهلٌ، لوحظ منذ سنين متتابعة بحقبة القرن العشرين، صيتٌ يطلقُ على كلّ فتاةٍ تجاوزت سنّ الثّلاثين ولم تتزوج، صيّتٌ تناقلهُ العامّة فانتشر، إنه مسمّى العانسْ، المسمّى الذي شّوْهَ أُسس الحرّيّات الشّخصيّة، والوعي الإدراكي، وحَوّْطَ تدنّي فكر المجتمع بمجموعةٍ من الدّوائر الحمراء غير المبّشرة، حيثُ يعرف أن اختيار الزّوج فكرةٌ لا بدَّ وأن تكون مرتكزة على قناعاتٍ استراتيجية دائمة لا مؤقتة، وعلى قواعدٍ بنّاءة لا هدّامة.

لكن مؤخراً بدأت فكرة الخلاص هي الملجأ الوحيد للكثيرِ من الفتيات في مجتمعِ الغلابةْ، حيث ترى الفتيات يلجئن للزّواج بعد أن أصبحت سنوات حياتهن قريبة من سنّ الثّلاثين، فيقولون: يجب أن نتزوج أيّ شخص قبل أن يلتهمْنا المجتمع.

جعلت “شيزوفرنيا” الهروب من هذا المسمّى الكثيرات يذهبن للجامعات للحصول على فرصة جيّدة في الزّواج لا من أجل فرصة مناسبة للتعلّم والعمل.

جعل الكثيرات أيضاً يُنهكّنْ جمالهنْ بعمليّاتِ تجميل تعسُّفيّة كي يلفتن نظر أكبر عدد ممكن من الشّباب، لا من أجل أن يرتّقينْ بأنفسهن لمكانٍ من الثّقة المدّهشة.

يتجهُ العالمُ الثّالث لظاهرة التّنمر المُنهك أذا أخذناه من شقّ العنوسةِ والزّواج، كيف لا ولقد تحولَ اهتمامكِ كفتاة خلقت حرّة لسجنٍ من الخوف والهلع مخافةَ كلامٍ بكلام، كيف ولقد تركتِ نفسكِ لفكرةٍ فيها من الارتياب الشّيء الكثير، ونجاحها مرهونٌ بتنازلاتٍ قد تلغي حياتكِ جميعها.

فماذا لو كنتِ على مستوى من الثّقةِ بالنّفس جعلت من كلام النّاس حافزٌ للتجذيّف بسفينتكِ لميناءٍ لن يصل إليه الصّوت.

تدرسينْ لأجل مستقبلك الذي سوف يكفيك عن الحاجةَ والفاقةَ، تهتميّنَ بنفسكِ لأجل نفسكِ ولرفعِ مستويات القناعة، تعبّرينَ عن أرائكِ بميادين حرّة بكلّ بسالة.

ماذا لو تسلحتِ بثقافة الوعي؟ وجعلتي من الزّواج مكمّلاً لحياةٍ أشواطها كانت سبّاقة بالعلم، والجمال، والرّيادة، فزدّتِ عليها اطمئناناً وسلاماً لا خوفاً وهرباً من ذاك وتلك بكلّ غرابة، ولا بدّ أن تعي بأن أهميّة الزّواج تبدأ من أهميّة قرارك فيه، فالصّحةُ النّفسيّة تنوّهُ دوماً على التّسلّحِ بالطّاقاتِ الإيجابيّة، والابتعاد عن كلّ طاقاتٍ سلبيّة، كفكرةِ تقبّلِ شخصٍ في حياتك لا يناسب تطلعاتك بل كلّ ذلك لأجل الهروب من مسمّيّاتٍ اجتماعيّة سطّحيّة.

فحقيقةُ العانس ليست بما ذكرناه، بل العانسُ الحقيقة هي تلك من هجرها زوجها بعد أن وجّد من جسدّها شيئاً لا يروقُ لهُ حيثُ الحمل والولادة شَوّْهتْ به ما كان يحبُّ ويرغب فحوّلها لأثاثٍ مرميٍّ وشوّه في داخلها معانٍ كثيرة.

العانسُ نفسها هي تلك من يضّربُها زوجها فقط لأنها لا تروقُ لهُ كامرأةٍ كان يحبّها من قبل، ولم تقبل الزّواج منهُ فتزوّجَ من غيرها كي يوصل لها رسالةٌ مفادها يمكنني أن أتزوّج من غيركِ.

العانسُ هي كلُّ امرأةٍ تزوّجَ عليها زوجها لأنّها لم تنجب، أو لأنها لم تلبِ طموحاتهُ بها، وهي كلُّ فتاةٍ عادتْ لبيت أبيها بعد أن طلّقها زوجها فتكاتف العالمُ وأهلها على التّغرير بها، فالعانس ليست من لم تتزوج فقط، فمتى سوف نعّي كلُّ هذهِ الوقائع، ونطلقُ صيّت فكري حديث، مفادهُ كونيّ قويّة، وقولي لا لمنْ لا تجديّن فيه نفسكِ، قوليّ لا حتى لو بلغتي من عمرك الخمسين والسّتين، قوليها ولا تخافي، فالزّواج رحلة جميلة، ليست أبداً بالمحطةِ الأخيرة.

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى