لماذا ينقم النّاس على رجال الدّين؟!

نحن أمام معضلة إعارة العقول لرجال الدّين والكهنة في كلّ الميادين، تسأل صديقاً لكَ ما رأيك في تيّار اللانجابيّة؟ يجيب أعتقد أنّه يجب أن أسأل شيخي، تسأل زميلك ما قولك في الليبراليّة الحديثة؟ ينطق على الفور أن جوابه جاهز عند شيخه أو عالمه الدّيني الفلاني، الذي يتبع له، وهذا العالم ما عِلمه إلا حصيلة قعدة كتاب أو جلسة (كبارية) في مقهى الحارة، وهنا لا أعمّم.
كيف سيطر رجال الدّين على حياة النّاس؟
استطاع رجال الدّين تولّي زمام الحياة الاجتماعيّة لأسباب كثيرة منها: غياب علم ما بعد الموت أو العلم الغيبي، فمنهم من راح يبيع أراضي في الجنّة، ومنهم من وزّع صكوك الغفران على البشريّة، ومنهم من قُدّمت له القرابين البشريّة حتى يُقبل بالشّفاعة عند الرّب للنّاس البسطاء المذنبين، حتى أن كثيراً من رجال الدّين خاطب ويخاطب العامّة، كما لو أنه وصي الله على خلقه.
تولّي رجال الدّين السّلطة وأماكن القرارات
بسبب حاجات النّاس العاطفيّة، ومشاعرهم تجاه الرّحمة والسّلام والخلود اصطفوا بكثرةٍ حول رجال الدّين، بعقول شبه مغلقة، وأصبح رجل الدّين في بعض الأحيان أهمّ من الملك أو الرّئيس عبر التّاريخ، وفي بعض الأحيان كان المقرّب الأكبر من حاكم البلاد، يستغل به الجماهير ويخاطب به العامّة حسب ما تقتضيه مصلحته، ومصلحة نظام بلاده، حتّى أنّ رجال الدّين أشعلت الحروب بين الدّول، وساهمت في مقتل ملايين من الأموات، كما قرأنا في الحروب الصّليبيّة، وكما رأينا في الحروب والأزمات التي تشكّل فيها الإرهاب في المنطقة العربيّة بشكل غير طبيعي، وهذا كلّه جرّاء معاملتنا لرجل الدّين أنّه الإنسان الأمثل والقائد للمجتمع.

ما لنا وما علينا من رجال الدّين
إنّي أسمع من كلّ مكان صوتاً ينادي لا تفكّر، رجل الدّين يقول لا تفكر بل آمن، ورجل الاقتصاد يقول لا تفكر بل ادفع، ورجل السّياسة يقول لا تفكر بل نفّذ، ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك إنّي لا أعلمك فلسفة الفلاسفة، ولكنّي أعلّمك كيف تتفلسف. “إيمانويل كانت” – فيلسوف ألماني.
لا مشكلة من أن يتّبع أحدهم إنسان آخر في شؤون حياته ومعاملاته اليوميّة، وحتّى إن تبع النّاس علماء الدّين في أمورٍ فقهيّة ودينيّة ومصيريّة أيضاً لا مشكلة، من مسلّمات الطّبيعة البشريّة أن يكون هناك قائداً دائماً، ويكون هناك أتباع لأنّه ليس كلّ النّاس على علم ودراية وتخصّص، لكن المشكلة التي وصلنا لها هي إتباع رجل الدّين بشكلٍ أعمى من دون تفكير، من دون معرفة أن رجل الدّين إنسان يُخطئ ويصيب، يتعثّر ويقع، وهو في نهاية المطاف ليس ملائكيّاً إنّما بشراً مثلنا.
محاربة رجال الدّين موضة قديمة غير مجدية
يقول جمال الدّين الأفغاني: “لو يحاسب الإنسان نفسه كما يحاسب غيره لقلّ خطؤه وقرب من الكمال”.
من شدّة الإحباط الاجتماعي والفقر الاقتصادي والظّلم المجتمعي نمت جماعات منذ فجر التّاريخ خصّيصاً في المجتمعات العربيّة، صارت تحارب رجال الدّين في كلّ الوسائل والأدوات، حتّى أنّ شغلها الشّاغل في الحياة مقارعة رجال الدّين والكهنة والوقوف عند أخطائهم يقول سلام: “إنّ أغلب رجال الدّين ما همّهم سوى الجلوس بجانب الملوك وتزوج النّساء والتهام الطّعام على موائد الأمراء والأغنياء”.
صحيح أنّنا كبشر أسوياء نريد محاربة كلّ من يحدّ من أفكارنا، ويقيّد مداركنا وحريّتنا في اتخاذ القرارات، ويسلبنا إرادتنا التي أعطانا إيّاها الله، لكن من الخطأ جعل همّنا الأكبر محاربة فئة ما أو مقاتلة رجل الدّين وإلقاء اللّوم عليها عند كلّ مشكلة نُبتلى فيها في الحياة الاجتماعيّة أو السّياسيّة، فلولا أنّ عقولنا مغلقة ما كنا اتبعنا أيّ رجل يدّعي أنه يفهم في أمرٍ ما، متى سندرك أنّ كلّ أخطاء المجتمع والبلايا التي نمرّ بها هي نتيجة تفكيرنا وسلوكنا؟! متى سندرك أنّه بالفعل إذا لم نغيّر من أنفسنا وذواتنا لن تتغيّر مجتمعاتنا ككلّ إلى مجتمعات أخلاقيّة وإنسانيّة؟!

قالوا: “رجل الدّين لا يمكنه السّيطرة عليك إلا إذا استطاع إقناعك بأنّك كتلة متحرّكة من الخطايا والذّنوب والآلام والحطام، ليسوقك بعدها كالنّعجة إلى حظيرته” – “فريدريك نيتشه”.
“عندما يتخلّى رجال الدّين عن مسؤوليّتهم ويتحوّلون إلى عوامل تخدير النّاس من المتوقّع حينئذ أن يبتعد النّاس عن الدّين” – علي شريعتي.