أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامة

لماذا نرثي العظماء بعد رحيلهم؟

د. فاطمة أحمد

تخطر في بالي مؤخّراً هذه الأسئلة بكثرة: لماذا نرثي العظماء بعد موتهم؟ لم ننسى أو نتغافل عن ذكرهم وتكريمهم وهم على قيد الحياة؟ ما السّبب الذي يدعونا إلى التقرّب من أرواح الذين نحبّهم بعد أن تأخذهم المنيّة؟

هل هو حنينٌ متأخّر للذّكريات أو الحوارات الجميلة التي قضيناها أو عرفناها عن هذا الشّخص أم إنّه أشبه بالتّكريم والاعتراف الجميل الذي لم يتسنَّ لنا متّسع من الوقت حتّى نبوح بهما للنّاس الذين نحمل تجاههم الودّ والمحبّة والاحترام؟ أم إنّه شكل من أشكال الـ”ترندات” لنشغل أنفسنا به وسط ما نعيشه في أتون الدّمار والخراب، وأقصد هنا الشّخصيّات المعروفة التي تركت أثراً ما في البشريّة؟

لماذا نرثي العظماء بعد رحيلهم؟
ذكريات

سأستشهد هنا بمقولة لمعلّمي في حقل الدّراسات الفكريّة والجماليّة أ. د. حسين الصديق لأفسّر الحالة التي يعيشها معظمنا من غير أن يعي أو يشعر بها، وذلك عندما يقول في كتابه “حكايا الناي”: “لو أنّ حياة الإنسان، في عالم الممكن، كانت سرمديّة، لكانت اللّحظة الرّاهنة من غير قيمة، لأنّه يعرف أنّ هذه اللّحظة إذا ذهبت فسيحلّ محلّها غيرها، وسيعرف أنّ بإمكانه أن يفعل في الغد ما يريد فعله اليوم، فلا يقدّر جمال اللّحظة الرّاهنة، لأنّه يشعر أنّ لديه دائماً متّسعاً من الوقت”.

لعلّ هذه العبارة باتت تحقّق معناها الحقيقي، وذلك عندما يُخطئ المرء في الاعتقاد أنّ الوقت كافٍ لديه كي يعبّر عن مشاعره أو امتنانه وشكره للطّرف الآخر، فيصبح التّسويف ديدنه ويعتاد على عدم البوح ويذهب به العمر إلى النّهاية المحتومة” الموت” من غير أن يُخرج الحُبّ الكامن فيه بالقوّة.

إذ يؤمن الكثيرون منّا أنّ مشاعرهم تجاه الآخرين موجودة في كيانهم ولن تهرب منهم، ولكنّ الواقع يقول بأنّ تجاهل التّعبير عنها لا يجعل لوجودهم معنى، لعدم الجرأة في القول أو إهمالاً لعواطفهم، وبذلك تسيطر على حياتهم اللا جدوى من حيث لا يعلمون!

لماذا نرثي العظماء بعد رحيلهم؟
ذكرياتنا في صور

نفكّر أنّ عواطفنا مجانيّة وواضحة، ومن السّهل جدّاً قراءتها لمن يريد أن يراها، ونظنّ أيضاً أنّنا لو ذكرناها شفويّاً سيتحوّل كلامنا إلى عبارات رنّانة لن تلقى صداها في نفس الآخر ممّا يحرم المرء ذاته من الشّعور بجمال اللّحظة مع الآخر. وما فائدة اللّحظات الحاليّة التي نعيشها إن لم تكن مبنيّة على إدراك قيمة الذّات مع الآخر الذي نُحبّه ونودّه ونحترمه؟

انتبه صديقي القارئ إذا كنت مُعجباً أو مُحبّاً أو مُمتنّاً بالشّكر لشخصيّة حقيقيّة تعيش معك أو خياليّة من الماضي أو عالميّة لا تستطيع الوصول إليها لا تخفي مشاعرك وتدفنها في نفسك! عبّر عن ذلك قولاً وكتابةً لأنّك ستحرّر ذاتك من الأنانيّة وتصبح لحظاتك أكثر جمالاً، ولعلّك تساعد على محو القُبح من حولك بشكل أو بآخر.

لماذا نرثي العظماء بعد رحيلهم؟
لماذا نرثي العظماء؟

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى