أحدث المقالاتمواهب واعدة

لا يحقّ لك شتمي …

بيسان خلف

يخرجْن سنويّاً بالآلاف، يحملْن صوراً كاريكاتوريّة، لنساءٍ معنّفاتٍ، في اليوم العالمي لوقف العنف ضدّ المرأة، وجلّ الاهتمام بالجسد الموشوم ببقعٍ زرقاء ممزوجة بحمراء، ويتناسى الجميع ما يحملنه داخلهن من صور مُذلّة، وقميئة عن شتائم، واتّهاماتٍ انتهكت أكثر المواقع حساسيّة في الوجدان، وكانت سبباً خفياًّ لخروجهن إلى التّظاهرات، كنوعٍ من التّعبير عن غضبٍ مدفون، وغالباً عندما تتعرّض للعنف اللّفظي من قبل أقاربها تحديداً، تصمتُ على الفور، خوفاً من ارتفاع حدّة الشّتائم الإباحيّة، ثمّ تدفن كلّ المشاعر التي انتابتها لتهرب من أخيلة تطاردها، حول ما إذا كانت فعلاً كما وُصِفَتْ بتلك الشّتيمة الإيحائيّة المنطلقة بكلّ ثقةٍ ذكوريّةٍ من أخيها الأكبر على سبيل المثال.

نأخذُ في مجتمعاتنا العربيّة، التي ملّت وسائل الإعلام من نقدها، مفهوم العنف فقط بمعناه الجسدي، ونجهل تماماً ما هو أخطر منه بأضعاف مضاعفة، ونترك تداعياتٍ وخيمةٍ على المستقبل القريب، لم أذكر يوماً أنه تمّ ذكر العنف اللّفظي في المناهج التّعليميّة ولا حتى بخطابات النّدوات التّثقيفيّة للنّسويّة العربيّة، ربّما لأن ثقافة الشّتم تجذّرت في مجتمعاتنا، وباتت ثقافة اجتماعيّة، تعطينا الحقّ بوصف المرأة غير المعجبة بالعادات، والأعراف المنغلقة، على أنّها “عاهرة”، لم تتمّ تربيتها بشكلٍ صحيح، والدها “ديوث”، وكثير من العبارات المثيرة للاشمئزاز حقّاً.

تتعرّض النّساء يوميّاً للتّعنيف اللفظي من قبل الزّوج، الأب، الأخ، وحتى من المرأة نفسها، من دون وجود أيّ رادع قانوني، أو منظماتي تلجأ إليه، وذلك في كلّ الدّول العربيّة، باستثناء تونس، التي كان لها خطوة مبشّرة اتجاه العنف اللفظي، حيث اعتبرته نوعاً من أنواع العنف النّفسي المترتب عليه آثار سلبيّة، وأصدرت القانون الأساسي رقم 58 لعام 2017، الذي نصّ على: “كلّ اعتداء مادّي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضدّ المرأة أساسه التّميّيز بسبب الجنس، والذي يتسبّب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة، ويشمل أيضاً التّهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريّات، سواء في الحياة العامّة أو الخاصّة”، ووضعت وزارة المرأة التّونسيّة رقماً للطّوارئ، لتلقّي شكاوى الضّحايا، وتقديم المساعدة لهنّ، من تأمين عمليّة الإنصات، والتّوجيه.

يتمُّ، في الغالب، تركُ المرأة تصارع شتى أنواع الكلمات الجارحة، من دون تقديم أيّة مساعدة لها من قبل الأشخاص المحيطين فيها، أحياناً تكسب المعركة، وينتهي الصراع بزيادة قوّتها، وتحرّر ذاتها، جاعلةً من العنف اللّفظي، وسيلة تحفيزٍ، أوصلتها للقوّة والنّجاح، لكن في أحيان أخرى تخسر، وتفقد قدرتها على كبت المشاعر، وتحويلها لمصدر إلهام، ثمّ يبدأ شبح عدم الثّقة بنفسها يلاحقها، لينتهي المطاف بها على أبواب أقرب عيادة نفسيّة، وهذا طبعاً في حال كانت لديها الشّجاعة للذهاب إلى طبيب، أمّا اللواتي يرهبن الطّبيب النّفسي، فتتدمر حياتهنّ بالمعنى الحرفي، نتيجة الخضوع لأثرِ الشّتائم، وفقدان الثّقة بالنفس.

وجدتُ أن أرقام إحصائيّات التّعنيف اللفظي مرعبةً، وذلك من خلال زيارتي لموقع هيئة الأمم المتّحدة للمرأة، فما يقارب 91% من النّساء حول العالم تعرّضن، على الأقلّ، لمرّةٍ واحدةٍ في حياتهن لهذا النّوع من التّعنيف، بناءً على الحالات المسجّلة فقط، أمّا غير المسجّلة، فهي من المجتمعات العربيّة حتماً، وتأكيدي غير نابع عن كراهيّة أو سوء ظن وتقدير، فعلى الرّغم من كلّ التّطوّرات، والإنجازات، التي حقّقتها الحركات النّسويّة، ما زال هناك الكثير من النّساء العربيّات، عند تعرّضهن للشّتم لا يستطعن الصّراخ بصوتٍ عالٍ، ولو بجملةٍ اعتراضيّةٍ: “لا يحقّ لك شتمي”، فماذا ننتظر من مجتمعاتٍ تخجل فيها الأنثى من دورتها الشّهرية!.

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى