أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامةمقالات عشوائيةمواهب واعدة

لأنهم غبّوا حزن

سارة خدام

كانت هذه إجابة صديقي على سؤالي عن المغتربين الذين هاجروا جسداً، ولكن أرواحهم كأنّها ما زالت هنا.

تعتنق نفس الدّين، تشرب نفس الذّل، تعتصر الموت كلّ ليلةٍ، كما نحن.

غالباً أنّنا لم نعد نحصي تواريخ كوارثنا كسوريين، مثلاً “حقّاً كانت في ١٥-٣-٢٠١١ ؟” أوه … عمر

اعتدنا على مشاركة الذّكريات على الـ”فيسبوك”، كذكرى الحرب في سورية، مع منشوراتنا لنتذكّر أنّها كانت لعنة وحقبة بشعة علينا، غالباً نسينا هذا التّاريخ، فقد توالت القصص القصيرة من بعده.

علّنا ننهض؟ وبنفس التّاريخ من ٢٠٢٠، لم تكن الـ”كورونا” وحدها، كما كلّ الدّول، بل رافقها (حصار) مجهول بالنّسبة لي، فقر، جوع، وارتفاع هائل (للأخضر الذي لا نستطيع ذكر اسمه)، وارتفاع الأسعار بدءاً من الخبز انتهاءً بسقف يأوي البَشَر.

علّنا ننهض؟ لترينا الدّنيا جهنّم في كل بقعة خضراء.

يبدو أن من هاجر خارج البلد يعاني كمن بقي فيها لأنهم غبّوا حزن
لأنهم غبّوا حزن

مجدّداً … علّنا ننهض يا الله؟

٦٢٢٠٢٣

ليلة نتمنّى لو أنّها ما كانت … ثلاثون ثانية … كانت كفيلة بأن تنسينا الرّبيع العربي، الحرب، الـ”كورونا”، بلد احتوت آلاف الشّهداء، لتجدّد مقابرها أكثر فأكثر، أو تبتلعهم أرضُها بين الأنقاض. الكارثة التي لم تعترف على طفل أو عجوز، ولم تسأل عمّا إذا سنمكث بقوّتنا لنعيد الإعمار.

اسخروا … نحن من سنعيد الإعمار …

فهي حقّاً وضّحت ماضي السّرقات، كشفت حاضر الاختفاءات والضّعف، حاضر انعدام الثّقة، وبيّنت المجهول القادم.

كانت هذه الكارثة كفيلة بأن تنسينا ذلك، وكان الحلو الوحيد أنّها أنستنا (نوعاً ما) اعتبارات المناطقيّة والطّائفية التي حُفِرت على صدورنا طيلة هذه الأعوام.

بدأت الكوارث من الحرب ثم استمرت مع موجة الزلال وهكذا تزداد مع الضربات الإسرائيلية للمناطق المدنية ويستمر حزن السوريين
السوري في مواجهة كوارثه

وهُنا لم ننهض … ١٩-٢-٢٠٢٣ …  أنارت الصّواريخ سماء دمشق مجدّداً، لنعيد التّاريخ من الصفر، ونعود للدّمار البشري، والشّهداء.

أرواحُنا صارت رخيصة جدّاً، اعتادت على الألمِ حتّى بات كلّ منّا يسخر من هذه الحياة.

نحن السّوريون لا نمتلك حتّى حقّ الحياة، فَعن أيّ حقوقِ إنسان بدستور نتكلّم؟!

لا نمتلك حقّ الاطمئنان عمّن نحبّ، كيف؟ “أيّ سهلة … ما في كهربا، ما في تغطية حتّى تحكي مع حدا”.

النّتيجة … خوفٌ مضاعف

(نحن لا نمتلك الحقّ)، تكفي هذه الجملة لتصف حالة السّوريين في سوريا.

كيف يتحمل الناس أمام كل هذه الأهوال والأحزان ... فماذا بعد سيأتينا يالله؟
ماذا بعد؟

ذات مرّة قال لي أحدهم عن مفهوم (الدّم الحامي)، كما كان يحصل أيّام الحرب، حين كان الأبّ يركض بابنه بعد التّفجير حتّى يطمئن أنّه بأمان، وبعد أن يبرد دمه، ينظر ليده ليرى أنّها مبتورة جرّاء التّفجير. حسناً … بعد آخر تاريخ، أيقنتُ أنّنا في حالة الدّم الحامي، كلّما نهضنا سنعود حتماً لنقطة الصّفر، من حيث بدأنا الحرب، بل أكثر.

هذه الأرض لم تعد تحتمل العيش، ولا الموت، ولا التّأويلات، ولا الإشاعات، ولا خطابات رنّانة فارغة، ولا حبّ ولا كره … سوريا لم تعد قادرة على الحمل هذا … صارت بكلّ من عليها ثقيلةً جدّاً، ومن غادرها يشعر بهذا الثّقل كذلك، فنحن نجتمع في كلّ ليلة بين بعضنا أو على الكاميرات مع المغتربين، لنتحدّث نفس الأحاديث، ونتقاسم نفس المشاعر، نبكي بعضنا لذات الكآبة، فهي وحدها ما تجمعنا.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى