قوالب السعادة الجاهزة (1)
يراودني شعور أو نظريّة ما، قد تكون صحيحة: إنّ الشّعور السّيئ الخفيّ؛ الذي تشعره في كلّ علاقة، قد يكون هو الشّعور الصّادق أو الصّحيح ربّما، هذا الشّك بنوايا الآخر، بمصداقيّته، بإحساسه قد يكون حقيقيّاً، لكنّنا نسعى دوماً إلى تكذيبه ودحضه، ربّما لأنّنا نكره الحقيقة، ونسدل على أعيننا ستاراً من الوهم، ببساطة لأنّنا نستمتع بالوهم، ندرك تماماً أنّها كذبة، قد ألبسناها لبوساً غير لبوسها، وأسبغنا عليها مسمّياتٍ لا تشبهها … ربّما لأنّنا نعلم أنّ هذه الحياة لن تكون سعيدة، فخطّ السّعادة المرسوم لك منذ سنين، ستكتشف لاحقاً أنّه وهم، وأنّ تلك السّعادة مجرّد قوالب للسّعادة الجاهزة، إمّا أن تبقى مطارِداً لتلك السّعادة، تبحث عنها، وتسكن في إحدى القوالب خوفاً من التّغيير الذي سيطرأ عليك فجأة، أو أن تصنع بنفسك شيئاً جديداً مختلفاً لتكتشف السّعادة، هو قرار، قرارك وحدك.

دعنا نطرح مواضيع عامّة، وقِس عليها من أصغر الأشياء إلى أكبرها، الأمور أو القرارات أو الخيارات، ما شئت سمّها، بدءاً من الطّفولة بل الولادة! نعم الولادة، فمن الطّبيعي أن نُسعد بولادة طفل جديد، لكن شرط أن يبكي ذلك الطّفل، فعمليّة التّنفس تكون صعبة على كائنٍ يلامس الهواء لأوّل مرّة، ذلك سيحتاج إلى قرارٍ منه، وحده البكاء يساعده بها، وما أن يبكي حتّى تبدأ الزّغاريد وتعمّ السّعادة الأهل بدءاً من العائلة الصّغيرة انتهاءً بالعائلتين الكبيرتين، لكن إن لم يستطع ذلك المولود التّنفس، ولم ينجح في عمليّة الشّهيق والزّفير ولم يصرخ هنا تبدأ الكارثة، فالطّبيعي في القوالب الجاهزة المخزّنة في شعور الإنسان أن يفرح، لكنّه كسر القالب واستسلم، وكانت كارثة حزينة، لكنّها صغيرة نسبيّاً، فالمولود لم تكتب له الحياة، ولم يعرفوه، ولم يعتادوا عليه، هذا في الولادة، أيّ في العمليّة البيولوجيّة الحيّة لسيرورة الحياة فقط! أستطيع أن أسرد كثيراً من القصص التي تدور حول الطّفولة الرّائعة لكلٍّ منّا! لكنّني سأترك لك هذه المهمّة للتّفكّر والتّأمل.

أمّا في الدّراسة، فالسّيناريو الأحبّ من قوالب السّعادة الجاهزة سيكون له بريقاً خاصّاً إن اخترت، فرعاً بعد سلسلة من المعاناة لتحصيل العلامة الأعلى، تختار فرعاً يجب أن يحقّق لك خطّ السّعادة المرسوم بين تلك القوالب، وعليك أن تنتقي اختصاصك بعناية، فيجب أن تتوفّر فيه ثلاثة عناصر: أوّلها التّباهي والفخر، وثانيها المال، وثالثها السّعادة، بل الثّالث نتيجة وليس سبباً، الفخر والتّباهي لنيل القبول في المجتمع ورضا المجتمع، والمال لتأمين حياة مستقرّة بأحد جوانبها على الأقلّ، وهو الجانب المادّي الأهمّ! وبالمعطيين السّابقين ستصل إلى السّعادة، وبتلك السّعادة ستكون النّجم الثّاقب الأكثر بريقاً، لكنّك ستتحوّل إلى الشّخص النّاجح، المثال المُعطى لمن حولك في سلسلة الأجيال اللّاحقة، ببساطة لأنّك صرت ضمن قوالب السّعادة الجاهزة، ولك أن ترقب تلك النّماذج لترى كمّ السّعادة المعلّبة التي تسيل من أرواح البشريّة من لا مبالاة وعنجهيّة ربّما، وصور نمطيّة موحّدة.

العمل أيضا يندرج تحت تلك القوالب المصمّمة مسبّقاً، سواء اخترت عملك أم لم تفعل سيبقى عليك الاستمراريّة فيه، لتثبت للنّاس أنّك ناجح وسعيد، وسيبقون يشيرون إلى نجاحك ضمن قائمة القوالب السّعيدة أو فشلك ضمن قائمة القوالب التّعيسة، لا تعجب حتّى التّعاسة لها قوالب ثابتة! لكن جرّب أن تكسر القالب لترى ما يمكن أن ينهال عليك من أقاويل واتّهامات وبأنّك حالم وغارق بالحلم حتّى تثبت العكس، تنجح في اتخاذك القرار، وقد رأينا مؤخّراً كثيراً من القوالب قد تكسّرت، فالنّاس اليوم لم تعد مقتنعة أن تبقى حبيسة لتلك القوالب، لعلّها تريد أن تصنع قوالب سعادة جديدة، قد تصبح بعد فترة جاهزة لكنّها ستكون حقيقيّة، وسترسم معالم تجربة غنيّة.
لعل الشّرارة التي كانت وراء ذلك التّغيير هو الشّغف، وكيف تمّ التّسويق لتلك الكلمة؟ مع ما أضفته التّجارب من بريق لها، تراه في عيون من يؤمن بها وقد تراه على الكلمة عند تخيّل حروفها، نعم قد يكون الشّغف مع الملل من القوالب الآسنة هو الشّرارة لتغيّير أيّ شيء من قوالب السّعادة الجاهزة الفذّة.