أحدث المقالاتمواهب واعدة

قهوتك في البعيد ..

جسار قدور – قهوتك في البعيد

قهوتك في البعيد

في البعيد، في المكان الذي كلّما التقيتَ فيه شخصاً غريباً أكثر منك يسألك عن مسقط رأسك، فتجيب، ثمّ يعود ليسألك عن مسقط مسقط رأسك، فتجيب وتكرّر أنت الأسئلة ذاتها، ويجيب هو، وتغادرا غريبين مسرعين من جديد على الرغم من معرفتكما بمساقط الرّأسين…

في ذلك البعيد، أعدّوا لك ما استطاعوا من تفاصيل حياتك كما يحلو لهم، الوقت، اللّيل، العمل، صناديق مخصّصة للعيش، أماكن الحبّ، والقهوة سريعة التّحضير…

تتوقف لتسأل نفسك في اليوم الذي أعدّوه لك لتسأل فيه نفسك: أين قهوتي التي كنت أشربها على مهلٍ كلّ صباح غير مكترثٍ بالوقت أو ما بعده؟

في البعيد، وعند أوّل فرصة تعود فيها إلى القريب الذي كنت فيه، حسب ما أعدّوا لك من فرصة، تقرّر أن تشتري قهوتك البطيئة ذاتها كي تشربها هناك في البعيد على مهل، وتكسر كلّ ما أعدوّا لك من أدوات الحياة، تشتريها مع رائحتها وتتفاجئ كم هي رخيصة تلك الشّهيّة، وتحملها معك إلى البعيد مغلّفة أكثر من نفسك…

قهوتك في البعيد
A mature man sits at a table at home, his head in his hands, looking thoroughly depressed and miserable.

هناك في البعيد

تبحث لها عن مكانٍ يحافظ على نكهة المكان القريب ورائحته فيها، وتغلق عليها لتمنع حتى هواء المكان البعيد عنها، لأنك تريد نكهتها كاملةً، صافيةً، محروقةً، عابقةً من دون تشويش.

تنتظر اليوم الذي أعدّوه لك لتجرب نكهتها بكامل الوقت والفرح، وتحيكها كما كنت تفعل هناك على مهلٍ، مملوءاً بما بقي لديك من فتات الذّاكرة، وهبّات أفكار الصّباح، وفراغه، تنظر من النّافذة مطوّلاً محملقاً، علّ العصفور الذي كان يطلّ عليك في المكان القريب يمرُّ مسرعاً، وتفرح عندما تجد ريشة صغيرة تركها لك كعلامة حبٍّ على حافة النّافذة وتقول في نفسك، لقد كان هنا قبل قليل وسيعود…

ها وقد أصبحت القهوة جاهزة، قهوة المكان القريب بكلّ نكهتها أصبحت أمامك ساخنة شبقة، تنتظرك أنت وحدك، قليل من موسيقى المكان القريب، وكأس الماء الباردة، وترشفها بكلّ ما أوتيت من حبّ، وتغمض عينيك، وتحاول العودة إلى الـ هناك سريعاً، وسريعاً تتحطّم كلّ الزّينة الزّجاجيّة الرّهيفة الملوّنة التي نَمت أمامك قبل قليل، وتطير الرّيشة التي تركها عصفور الدّوري على نافذتك بلا نسمة، تتوقّف الموسيقى أو تتوقّف حاسّة السّمع لديك، تُرجِعُ فنجانك إلى مكانه، وقلبك إلى قالبه، وتسأل: ما الذي تغيّر، وقد أعددّت ما أعددّت لتلك الرّشفة؟

ملاحظة:

هي نفسها نكهة قهوة المكان القريب، لاريب فيها، ولكن الرّيب فيك…

قهوتك في البعيد

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى