86 عاماً على ميلاد الصوت الملائكي … ومن يومها صار القمر أكبر
رقية الملحم
الصوت الذي يصاحبنا في كلّ مكان
21 تشرين الثاني / نوفمبر يوم ميلاد سيّدة الصّباحات، فيروز، التي تولد كلّ يوم مع بزوغ الشّمس، مع طلوع قمر، مع فنجان قهوة صباحي، مع الفلاحين في الحقول، مع كلّ عامل يذهب لعمله، وكلّ طالب يذهب إلى مدرسته، وعند لقاء كلّ عاشق، وعاشقة، وفي دكان جارنا العمّ أبو صالح، ومع كلّ الورود المزّروعة على شبابيك ضيعتنا.
صوتها كصوت طائر يقف على شجرة؛ ليخبرك أن الصّباح قد جاء.
سيبقى في القلب والذّاكرة
أذكر تماماً المرّة الأولى التي سمعت فيها غناء فيروز، في بيت جدّي، حيث كان يجلس على كرسيه الكبير المصنوع من خشب الخيزران، يمسك بالمذياع، ويقلّب محطّاتٍ إذاعيّة كثيرة، ليتوقف عند الأغاني الفيروزيّة، من هذا الاختراع العجيب، آنذاك، انبعث صوتها العذب، ليسكن قلبي وذاكرتي إلى الآن؛ يومها استوقفتني أغنيتها “يا دارة دوري فينا … تا ينسوا اساميهم وننسى اسامينا”، على الرّغم من أنني كنت طفلة صغيرة، ولم أستطع فهم الكلمات، إلا أن ما شدّني لصوتها، أنّه كان رقيقاً مثل هديل حمام، هي لم تكن تغني بل تغرّد على أوتار الحياة.
اليوم يا فيروزنا، “دارت فينا الدّار” وكبرنا، ولم نعد أولاد صغار، نسينا كلّ الأسماء، إلا اسمك بقي محفوظ في القلب، والذّاكرة.
فيروز معشوقة لكلّ الأجيال
ليس من السهل أن تحافظ فنانة على كلّ هذه الأعداد من المحبّين، طوال عقود من الزّمن، إلا إذا كان اسمها فيروز، الذي عشّعش صوتها في ذاكرة أجيال متفاوتة الأعمار، ومختلفة الذّائقة الموسيقيّة، صوتها يراقص أرواحنا بخفّة، وكأنّ الله شقّ طاقة من السّماء، وأرسل منها خيوط صوتها إلى الأرض، لتشفي قلوبنا المتعبة؛ مما يعني أن قيثارة السّماء، ليست حكراً على جيل واحد، بل هي معشوقة الأجيال.
نحبّك أكثر ب 86 مرّة
86عاماً! كيف استطاعت تلك العظيمة أن تبقى جميلة، ومتواضعة هكذا؟! صاحبة الصّوت المعروف بنبله وأصالته، مازالت معطاءةً، شامخةً كقمة الجبل البعيد، هادئة كزهرة البنفسج، صافية كزرقة السّماء، عميقة كالبحر الكبير، فيروز في عيدك 86 نحبّك أكثر بستة وثمانين مرّة، ونعرف أن صوتك الذي يرافقنا كلّ يوم سيبقى شابّاً، وسيبقى يزرع الأمل في قلوبنا، والحلم في نفوسنا، وستبقين لنا الماضي، والحاضر، والمستقبل، كلّ عام وانتِ معنا.
