
لا أكتب لمن يكونون بقربي لمن أحظى بهم.
لا أحتاج لملهمة تشاطرني السّرير والمكان والزّمان.
أكتب لأولئك الغائبين، الرّاحلين، البعيدين الذين أتمنّى أن يكونوا لي.
أحقّاً يحتاج الكاتب لكيد المسافة والفراق؟ فالفراق مدّرستي في إعداد الحبر.
لا أكتب عن سبق إصرار وترصّد، أكتب من دون تصميم. يقودني قلمي لأدلو بدلو قلبي على الورق.
لا أشرب كأساً من النّبيذ على شرف غانية.

لا أكترث بالإنارة إن كانت ذات طابع رومانسي وأضواء فاتحة لشهيّة القبل والرّقص على حافة الرّغبة.
لا أنتظر المساء الباذخ ولا العطر الفاخر.
تحت سقف المساء والسماء في العراء عند كسوف القمر وفي سقوط العمر والمطر، عند مفترق الطّرقات، في صهيل الأماني والجمال في البرد والقهر، في السّفر، عند ذروة الحنين والشّعور بالماضي، عند مرمى النّيران وهلال دمعة عند فوهة البندقيّة وصراخ الواجب، لا توقفني كلّ الطّعنات وأنا في طريقي إلى الموت … أكتب نعم أكتب.
فالكتابة لحظة لا منطقيّة، عفويّة، وانسيابيّة، وقد تكون بعد ألمٍ أو في ضوضاء الوجع لا شرط أن تكون في قصرٍ فاره، فالمترفون لا يكتبون.

لا أقرأ كثيراً إلا تلك العناوين التي تسرقني إليها.
لا أستمع لبيتهوفن ولا لمشاهير الموسيقا، فقط أنصت جيّداً لروحي حين تريد الخلاص؛ لأخطّ بيدي معزوفة الفرح.
أكتب من دون عناوين مسبّقة؛ لأنّها قد تتغيّر بتغيّر أصحابها، كي لا أجرح المعنى والكلمات، وهذا ما لا يطيقه قلمي، فأحرفي من شموخ وكبرياء.
أكتب لأتجدد كما مياه النّهر في كلّ دورة هناك مياه جديدة، فالكتابة هي السّبيل لكي نزيل عن الرّوح غبار الحياة اليوميّة.
أكتب لأشعر بالتوازن، لأتجاوز، لأقوى، لأتواصل مع الأنا، ولأكتفي بذاتي عن الآخر، لأتحرر من الرّجعيّة، لأواكب حضارة الرّوح في أرقى صورها.

ما زلت أرسم بالكلمات الحبيبة التي هاجرت موتاً بالفراق، أكتبها وقد تنام بقربي على رواق صفحاتي في سكون اللّيل والشّوق.
أكتب سرّاً؛ كي لا يسرق أحد ما فرحتي في شهقة القصيدة؛ كي لا يعترّض سيرها قاطعو الأمل.
لا أكتب الموزون ولا المقفّى ولا الشّعر الكلاسيكي، يشبهني النّثر من دون قيد، فأنا أبوح بعبراتي بين السّطور.