احتفالاً بـ” ماركيز “
غابرييل غارسيا ماركيز علامة فارقة في الأدب والصّحافة
رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

حدث في كولومبيا أن تمّ نشر وتوزيع رواية جديدة للكاتب والرّوائي “غابرييل غارسيا ماركيز”، وذلك قبل يومٍ واحد من يوم عيد الأمّ، وطبعاً نفدت الطّبعة من المكتبات لأنّ غالبيّة النّاس اشترت الرّواية كهديةٍ للأمّهات.
لماذا يتحوّل “ماركيز رمزاً لأمّته؟!
قد يكون السّبب العلمي لاعتبار هذا الكاتب أيقونة الرّواية في بلاده، بحسب البعض، أنّه كان كاتباً واقعياً استخدم أسلوب القصّ الرّوائي الممزوج بالخيال الذي يحلو للبعض تسميته بالواقعيّة السّحريّة، وربّما يجيب البعض الآخر بأن حيازة “ماركيز” لجائزة “نوبل” للآداب في العام 1982 عن إنتاجه الأدبي وعلى رأسها “مئة عام من العزلة”، هي ما كرّسته أكثر ككاتب عالمي تفخر كولومبيا بتقديره وتخليد آثاره الأدبيّة، لكن في الحقيقة قد عانى الكاتب المرّ وذاق الصّبر حتّى وصل إلى ما وصل إليه، وإليكم بعض التّفاصيل عنه:

استهوى الشّاب الكولومبي الأشعث في بداية طلعته حبّ التّأليف وسحر الكلمة، فعمل في الصّحافة تزامناً مع سنوات الدّراسة الجامعيّة، والسّبب الذي دفعه إلى ذلك هو الفقر الشّديد والبحث عن مصدر مالي يتكفّل بمصاريفه، لكن يوماً تلو الآخر ابتعد عن الدّراسة الجامعيّة فلا مجال للاستمرار في الطّريقين معاً، مقتنعاً أن الحياة الصّحفيّة ستكون بمثابة الجامعة التي سيتعلّم منها ويأخذ أكبر شهادة بسببها.
عاش في فترة لم تعرف بلاده الهدوء بسبب الحروب الأهليّة والمحليّة والانقلابات العسكريّة، وفي مرّة وبعد تاريخ من الكتابة الصّحفيّة جاءته تهديدات بسبب تحقيق صحفي منشور، مما جعل من رفاقه في الجريدة ينصحونه بالسّفر إلى جنيف في سويسرا مدّة أيّام كي يرتاح بعد النّجاح وليبقى بعيداً عن الخطر ولو لمدّة بسيطة، ساقه القدر بسهولة هناك لكن السّخرية تجلّت بقضائه 3 سنوات بدلاً من أيّام! لم يتمكن خلالها الرجوع إلى موطنه، بسبب عدم امتلاكه أوراقه الرّسميّة التي بدأت حكومة الانقلاب الجديدة بطلبها أثناء سفره، فتحوّلت من رحلة للرّاحة إلى سجن وفقر وعوز، فلا البلد الذي سافر إليه عرفه، ولا سفارة بلاده فيها حلّت المشكلة، ولا استطاع العودة بنفس الطريقة التي جاء فيها!

مصاعب كبيرة وكثيرة واجهت الكاتب الكولومبي الكبير “ماركيز”، لكن بقي على لغة الإصرار، وبقي الحلم حاضراً في قلبه، فلم يأتي النّجاح بسهولة ولم يكن التّفوق مدروساً بل كان التّعب المضاعف والقهر من حوله لشخصيّة لا تجلّه كولومبيا فقط بل كلّ دول العالم تحتفي بأدبه ومنتجه وجمال ما تركه من قصّة ورواية.
الحبّ في زمن الكوليرا فيلماً
عندما تمّ الاتفاق مع شركة الإنتاج على تحويل رواية “الحبّ في زمن الكوليرا” إلى فيلم سينمائي استعطف المنتج خاطر صاحب الرّواية “ماركيز” ليشرف على تحويل النّسخة إلى سيناريو قابل للتنفيذ لكنه رفض مؤكداً انّه من الجميل أن يعيش دهشة متابعة الفيلم من صالة العرض، والإشراف على السّيناريو سيفقد هذه الدّهشة فلا داعي لأيّ تدخلٍ منه.

وصيّة غابرييل كارسيا ماركيز قبل موته
“لو شاء الله أن يهبني شيئاً من حياة أخرى، فإنّني سوف أستثمرها بكلّ قواي. ربّما لن أقول كلّ ما أفكر به لكنّني حتماً سأفكر في كلّ ما سأقوله، سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثّله، بل لما تعنيه، سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أنّ كلّ لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النّور.
سأسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام، سأبرهن للنّاس كم يخطئون عندما يعتقدون أنّهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، من دون أن يدروا أنّهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.
للطفل سوف أعطي الأجنحة، لكنّني سأدعه يتعلّم التّحليق وحده، وللكهول سأعلّمهم أنّ الموت لا يأتي مع الشّيخوخة بل بفعل النّسيان.
لقد تعلّمت منكم الكثير أيّها البشر، تعلّمت أنّ الجميع يريد العيش في قمّة الجبل غير مدركين أن سرّ السّعادة تكمن في تسلّقه، تعلّمت أنّ الإنسان يحقّ له النّظر من فوق إلى الآخر، فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف.
قلّْ دائماً ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه.
لو كنت أعرف أنّها المرّة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتكِ بشدّة بين ذراعيّ ولتضرّعْتُ إلى الله أن يجعلني حارساً لروحك، لو كنتُ أعرف أنّها الدّقائق الأخيرة التي أراكِ فيها، لقلتُ: أحبّك، ولتجاهلتُ، بخجلٍ، أنّكِ تعرفين ذلك.
هناك دوماً يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل، لكن لو أنّني مخطئ وهذا هو يومي الأخير؛ أحبّ أن أقول” كم أحبّك، وأنّني لن أنساكِ أبداً، لأنّ الغد ليس مضموناً لا للشّاب ولا للمسن، ربّما تكون في هذا اليوم المرّة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبّهم، فلا تنتظر أكثر، تصرّف اليوم لأنّ الغد قد لا يأتي، ولا بدّ أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة، أو عناق، أو قبلة، أو أنّك كنت مشغولاً كي ترسل لهم أمنية أخيرة.
حافظ بقربك على من تحبّ، أهمس في أذنهم أنّك بحاجةٍ إليهم، أحببّهم، واعتني بهم.
لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فاطلب من الرّبّ القوّة والحكمة للتّعبير عنها، وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمّون لديك”.
