عن الحُبِّ أتكلّم!
د. فاطمة أحمد

سؤال يُطرح عليَّ كثيراً بين الفينة والأخرى، ما الفائدة من الحُبّ في ظلّ ما نعيشه من الأحقاد، والضغائن، والخراب، واليباب؟
أُسأل عن الفائدة مثلما يُسأل من لم يُحبّ سابقاً، وكأنّ الحبّ لقاحٌ ضدّ فيروس، أو حبّة مسكّن للأوجاع، أو ملجأ آمن يفرّ إليه الهاربون من الذّعر والخوف!
للسّائلين أقول: إنّ الحُبَّ يمنح صاحبه قوّة رهيبة في التعرّف على ممرّات بديلة للواقع بكلّ مفارقه المؤلمة والمزعجة، إذ تكمن جماليّة الحبّ في حريّته، فالحُبُّ لا تعلّمه الأنظمة، ولا المعارضات، ولا العائلات، ولا المدارس، ولا الكتب، ولا الأديان، ولا القوميّات، ولا مقولات الفلاسفة، فالحُبُّ ليس أُمنية مشروطة أو حالة مفروضة علينا أداءها جيّداً.
الحبُّ تتعلّمه بمفردك، من تأمّل الجمال، ومن الورود والبحار، وصغار المخلوقات، وعيون الأمّهات، وسلوكيّات النّبلاء، وشغف المعلّمين، وتفاني الآباء لسدّ رمق أطفالهم الجيّاع، هذه المعاني الحرّة هي الحبّ.

يعيد الحُبّ تشكيل الحياة، وتشكيل خارطة المبادئ والأوّليّات عند الأفراد، لأنّه يحرّرهم من سطوة الأنانيّة والطّغيان. وهو الذي يحدّد من أنت بالنسبة لأبيك وأمّك وأختك وزوجك، ولا ينشأ هذا التّحديد إلّا بعد امتلاكك المعرفة لذاتك أوّلاً وللآخر ثانياً. فالحُبُّ مرتبط في الأصل بالرّوح العارفة، وبغياب المعرفة يصبح الحُبّ مؤقّتاً ومتحوّلاً ويزول أثره مع الزّمن. وهذا ما يتكشّف في العلاقات الاجتماعيّة، وعلى رأسها الزّواج، إذ يخفت بريق الحُبّ ويتحوّل إلى رماد نتيجة انعدام المعرفة، فالحُبُّ القائم على المعرفة يبقى متجدّداً، ويضمن للطّرفين خلق معنى السّعادة والرّاحة على الدّوام، ويجعلهما حرّين غير أسيرين، لأنّ المعنى الذي لا يتحرّر يظلّ أسيراً، ويغرق صاحبه بالحسرات والأحزان. هذا هو الحُبُّ الذي ندّعي جهلنا به، فنبحث عنه في طيّات الكتب والمجلّات والأفلام والمسلسلات. لذلك عندما أكتب عنه مقالاً فقط كي لا يغيب عن وجدان القارئ، ويضيع مغزاه، ويبهت جماله.