عنصريّة الإعلام والحضارة الكاذبة
د. مأمون علواني في حوار خاصّ مع د. فاطمة أحمد

د. مأمون ما سبب عقدة التّفوّق الأوروبيّ، والتي تكشف عنصريّة بغيضة، تجاه الشّعوب في دول العالم الثّالث؟
إنَّ عقدة التّفوّق الأوروبيّ سببها تفوّق الحضارة العربيّة الإسلاميّة التي امتدّت حوالي ثمانمئة عام في شرق العالم وغربه تاريخيّاً. وللأسف، تعيش الشّعوب العربيّة، إلى الآن، موروثها المتعلّق بالتّفوّق العربي الإسلامي على الأوروبيين، وبالتّالي لا تتقبّل هذه الشّعوب أنّ هناك ثورة صناعيّة قامت في أوروبا على أنقاض العلوم والمعارف الإسلاميّة والشّرقيّة على العموم. كأمثال الخوارزميّ والرّازي وابن النفيس وابن رشد وابن خلدون وابن سينا … إنّ المئات من العلماء أدّوا مهمّتهم المعرفيّة في الحياة على أكمل وجه إلا أنّنا لم نستثمر هذه العلوم، فجاء الأوروبيون، وقاموا باستثمار هذه الجهود المبذولة، والاستفادة منها. ما يهمّني في هذا المقام هو العنصريّة البغيضة الموجودة عند الأوروبيين، وعلينا الاعتراف أوّلاً أنّه ثمّة دائماً تسابق ومنافسة في فكرة من الأفضل، وخاصّة عند الشّعوب النّامية أو عند القاعدة الشّعبيّة التي لا ترتكز بمعظم أحكامها على المعرفة العلميّة والحقيقة التّاريخيّة، لذلك عندما يسمع الشّعب العربيّ المقهور كلّ ما له علاقة بمصطلح (التّمييز) فإنّه يفكّر ويحكم على الطّرف الآخر بالتّفرقة العنصريّة.
هناك حقيقة لابدّ من قولها، قبل الدّخول في خضم هذا العراك الثّقافيّ والحضاريّ والتّاريخيّ والإعلاميّ بين الطّرفين العربيّ والغربيّ، وهي أنّه لا يوجد إعلام حرّ في كلّ أصقاع الكرة الأرضيّة. وهذا الكلام أقوله عن دراية، لأنّي ابن الإعلام وأعرف آليّة العمل فيه. إنّ 99٪ من الإعلام يكون موجّهاً. وعليه عندما تسمعين في نفس اليوم على ستّة أو سبعة محطّات مختلفة إعلاميون ينطقون نفس الكلام، ويوجّهون للجمهور نفس الخطاب. فهذا يعني أنّ هناك توجّه وأجندات محدّدة، إذ لا يُعقل أن يكون هناك تطابق في الآراء بين المراسلين. طبعاً هذا لا ينفي أنّ هناك بعض الصحفيين والإعلاميين الغربيين لديهم بعض التّميّز والميل نحو الشّرق والتّعاطف معه، ولكنّ السّؤال الأهمّ من أعطى هذه المحطّات الإعلاميّة السّلاح ليضربوا به في وجوهنا؟ في الحقيقة نحن من صدّرنا لهم هذه الصّورة، صورة فكر الإرهاب، حتّى وإن كانت مُسيّسة من قبلهم، أيّ من قبل الدّول العظمى في العالم التي دعمت الإرهاب، وقادت هذا الفكر المنحدر لتصدّر سياساتها القمعيّة إلى الخارج، والتّوسّع الإيديولوجيّ في السّيطرة على الشّعوب من خلال دعم أصحاب اللّحى والجلابيب الطّويلة والتّكفيرين. لذلك باتوا يأخذون الحيطة والحذر من كلّ مسلم. مع أنّنا لسنا كذلك على الإطلاق، وإن كان هناك واحد من المليون، فالسّبب هو التّنشئة الفكريّة المتطرّفة التي وُجد فيها لا أكثر! ولكنّنا كما أطلقنا عليهم الأحكام بأنّهم أكلة خنزير، ولا يوجد عندهم ضوابط للحلال والحرام، كذلك فعلوا بنا الأسوأ.

أقول لك: نعم إنّ الأوروبيين هم أساس العنف والإرهاب في العالم، ولكن عندما يسيطرون على الإعلام سيقدمون ما يخدم مصالحهم ويحولون الرّأي العام إلى ما يريدون وكيف ما يحبّون، فمثلاً الإعلام الأوروبيّ انحاز إلى اللاجئين الأوكرانيين لأنّهم يشبهونهم، والعرب والمسلمون لا يشبهونهم، وعدم الشبه هنا ليس المقصود به المعنى الإنسانيّ، وإنّما لأنّهم أوروبيون مثلهم، وثمّة اشتراك في الأرض والعرف، وسمات كثيرة. في حين أنّ العديد من العرب والمسلمون أعلنوا الحرب عليهم، وهم في الأراضي الأوروبيّة، كما حاولوا تصدير فكرة الانغلاق في التّعامل والسّلوك البشريّ، وهم منخرطون في المجتمعات الأوروبيّة سواء في الأكل أم الملبس أم في الحوار …
خذي مثلاً نموذج العراق أو أفغانستان التي بانت للعالم كلّه، وكأنّها تصدّر الإرهاب، وهذا بسبب الأجندات الإعلاميّة المتحيّزة، لذلك خافت المجتمعات الأوروبيّة من الإسلام، وباتت تخاف من فكرة اللجوء الإسلاميّ إلى بلادهم.
كيف تفسّر موقف القطب الأمريكيّ تجاه ما يحدث في الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة؟
لا يعنيني الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة، لأنّه قائم على مسرحيّات سياسيّة كاذبة لا يُعرف منها الصّح من الخطأ. الذي يعنيني هو فكرة اللهو بالسّذاجات السّلوكيّة في حياتنا، ومن يحبّنا ومن يكرهنا، فننسى بذلك السّعي وراء العلوم والمعارف والاكتشافات والاختراعات. وأقول قولي هذا وجعاً على أمّتي المنكوبة. أمّا ما يجري من حروب سياسيّة عالميّة، فهي محض أكاذيب مختلقة ومفتعلة من قبل القوى العظمى، لتزيد من خططها التّوسعيّة والقمعيّة في العالم، وتحرك الاقتصاد كيفما شاءت لأن من يتحكّم بدفة الاقتصاد يتحكّم بالكوكب.
