عذراً لين!! لقد مات الضّمير!

لعلّنا حين نفكر بأكثر المظاهر التي جسّدت وحشيّة بعض البشر؛ يتبادر إلى أذهاننا ظاهرة الوأد في عصر الجاهليّة.
لم تعد قضيّة رمي اللّقطاء في الشّوارع، وفي المساجد، شيئاً مفاجئاً، ربّما يعود ذلك إلى الاستقرار الظّاهري لهذه الحوادث الخطيرة بالبنية الأسريّة للمجتمع، من دون أن يكون هنالك أيّ رادع لهذه الظّاهرة، ومن دون أيّ إصلاح في هكذا أمور خطرة.

لكن وعلى الرّغم من قساوتها، فإنّها لا تضاهي قساوة رمي روحٍ رضيعةٍ في عتمة الشّوارع الموحشة، ببردها، وصقيعها، وغربتها، ليُترك مصيرها إلى جرذانٍ تنهش لحمها، وتشوّه وجهها، وزاد من المأساة الوقوف أمام مجتمعٍ فاقدٍ لمعنى الإنسانيّة، مجتمعٌ يتميّز بالقهر، وشدّة القسوة، وعدم الرّحمة، فذنبها الوحيد يكمن في أنّها كانت ضحيّة لقاءٍ بين ذكرٍ وأنثى، ضحيّة ولادتها في مجتمعٍ يرفض فكرة الرّأي الآخر، مجتمع مغذّى بالحقد، والتّعابير التي يطلقها (ابن حرام، ابن الزّنا….) ذنبها أنّها وُلدت من امرأة تفتقر لأيّ إحساس بالأمومة، أمّاً تخلّت عن فلذة كبدها، وأباً تخلّى عنها من دون أيّة شفقة، وكأنّه مسخاً، وما أكثر المسوخ في بلادنا، ومما لا شكّ فيه أنّ في وطننا العربي كثير من هذه الحالات، لتأتي واقعة هذه الطّفلة، وتؤكد على تعرّي المجتمع من ضوابطه ومبادئه التي لطالما نادى بالرّوابط الأسريّة، ضوابط ومبادئ واهية تفتقر لمعنى الإحساس بالآخر، ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى العلاقات المحرَّمة، التي تشكّل فجوة كبيرة في تكامل النّموذج الواقعي لهذه الحياة، التي بقيت أنيناً من الألم، يراسلها مئات من الصّدمات الإنسانيّة، ومن دون أيّ خجل تنادي بحريّة النّفس والحقّ وعدالة المجتمع في زمنٍ تكاثر فيه بشرٌ على هيئة وحوش مفترسة، لا تعرف مقدّسات الإنسانيّة، ولا تشفقُ بأرواحٍ قد وقفت في وجه أعتى هيكلٍ ظالمٍ يبني مبادئه على عناصر خلبيّة.

عذراً (لين) فقد وُلدتِ في زمن الجهل، في زمن الفقر، في زمن مات فيه الضّمير، عذراً لين فإنّ اسمك أخذ كلّ اللّين، وترك القسوة بقلوبنا.