أحدث المقالاتالمقالات عامةمواهب واعدة

عاهرة ثمنها “لايك” وتافه سعره تعليق … هل توّهتنا لغة الأرقام في مواقع التّواصل الاجتماعي!؟

بشار دولة

قال لي “وائل”، صديقي، أنّ المطرب الفلاني هو الأفضل حاليّاً، سألته: “لماذا تعتبره الأفضل؟ فأجاب: “يا أخي، أقلّ أغنية له على قناته في موقع “يوتيوب”، حصدت 70 مليون مشاهدة، عندها استنتجت: “إذاً معيار النّجاح لديك هو عدد المشاهدات، وليس القيمة الفنّيّة، أو الفكريّة، التي يمتلكها هذا الفنّان”، وبكلّ رضا وفخر علّق: “نعم هذا الواقع الذي لا مهرب منه”!

أظنّ أنّ هذه المحادثة البسيطة، وقعت مع كثيرٍ منكم، وربّما اختلّفتم حول قيمة أو قدرة أيّ فنّانٍ، وأيّ مشهورٍ في الفضاء الافتراضي، ومن ثمّ تجدون أنفسكم في النّهاية ضمن في دوامة جدل مستمرّة، لكن يظلّ السّؤال دائماً، هل بالفعل هذا الفنان أو ذاك الـ”إنفلونسر”، يستحق هذه الشّهرة؟ أو هذا الوصول الكبير للجمهور؟ للإجابة عن هذا السّؤال، المفروض أن نسأل القائمين على منصّات الـ”سوشل ميديا”، مثل: “يويتوب”، و”فيسبوك”، و”تيك توك”، وغيرها، من المواقع، والمفروض أن نقوم بعمل دراسة كبيرة، وتحليل بياني في العالم العربي ككلّ، وهذا ما لا يستطيع أحدنا فعله.

عاهرة ثمنها "لايك" وتافه سعره تعليق

يقول الفيلسوف الكندي “آلان دونو” في كتابه الشّهير “نظام التفاهة”: “لم تفلت مجالات الفنّ، والثّقافة، من سيطرة التّافهين أصحاب الذّوق الهابط، في حين أضحت الأعمال الفنّيّة، والثّقافيّة، الرّزينة، التي تحترم ذائقة المتلقي عملة نادرة”، فاليوم كلّ من يتجوّل أرجاء موقع “يوتيوب” مثلاً، سيرى منتوج بياني واضح عن مدى السّخافة المنتشرة، ومدى تعويم وسائل التّواصل لها، فمثلاً في قناة الفنّانة اللّبنانيّة جوليا بطرس، وصل عدد مشاهدات أجمل أغنية لها لحدّ المليوني مشاهدة، في حين إذا دخلت لقناة المطرب الفلاني، الذي ذاع صيته منذ سنتين فقط، وهو لا يعرف غير التّعداد، والجعير، سترى أن أقلّ فيديو له حصد أكثر من 30 مليون مشاهدة، والتّعليقات تنهال عليه، كما لو أنّه نبيّ أنُزل له الغيث، أو فُتحت له موائدٌ من السّماء، وعلى حسب ما قال الصّديق، فيجب أن نقول أن صاحبنا “المُجعّر”، هو أنجح من جوليا بطرس، بتاريخها الكبير، وصوتها الأجمل، وفنّها الأرقى، بناءاً على عدد المشاهدات، والأرقام.

هناك من يقول أن وسائل التّواصل لم تعوّم السّخافة، وليست السّبب في نشوئها؛ لأنّ الهزل والسّخافة موجودين بقدم البشريّة، قبل الثورة التّكنولوجيّة، والافتراضيّة، لكن هذا الفضاء ساعد في ظهور التّفاهة بوضوح أكبر، قد يُعتبر هذا الكلام منطقيّاً، لكن السّؤال لماذا نسبة السّذاجة والسّخافة في المحتويات تصل وتنتشر انتشار النّار في الهشيم أكثر من أيّ محتوى جدّي ثقافي أو اجتماعي أو علمي ، الجواب قد يكون لأنّ النّاس في طبعها تريد الهروب من الالتزامات، والرّسميّات، التي تُفرض عليهم في العمل، وضغوطات الحياة، فيأتي هذا الفضاء متنفَسٌ لهم عن كلّ المشاغل والهموم، وقد يكون السّبب عائد حسب “آلان دو”، إلى هيمنة منطق السّوق الاقتصاديّة على المنتجات الفنّيّة، إذّ يتمّ في غالب الأحيان تسخير هذه الأخيرة لتمرير الرّسائل، وإشباع الحاجيّات الضّروريّة لاستمرار عمل النّظام الرّأسمالي، في ظلّ ملكيّة أصحاب رؤوس الأموال لوسائل الإعلام، واستحواذهم على سوق الإعلانات.

عاهرة ثمنها "لايك" وتافه سعره تعليق

في ظلّ هذه التّخمة من إنتاجات وإفرازات الـ”سوشال ميديا”، من فيديوهات “غيمنغ”، وفيديوهات المقالب، أو تحديات الطّعام، أو السّباقات المشابهة، وفيديوهات الخلاعة، والإيحاءات الجنسيّة، والأغاني الهابطة، والسّوقيّة، يا ترى إلى أين سنصل فيما بعد؟ هل ستظلّ النّاس اليوم تتابع شابّ أبله لديه مليوني مشاهدة، عمله فقط التّهريج؟ أو ذكوري يبثّ الفتيات بكلماتٍ إيحائيّةٍ، ونابية، عبر البثّ المباشر، والجمهور يصفق له، هل سنستمرّ بمتابعة تلك الفتاة الجميلة البلهاء، التي تخلع ثيابها؛ لتعرض جسدها لقاء بضع مشاهدات، وكومة تعليقات؟ متى سينتهي وهم الجمهرة عند تلك الفتاة التي تعرض نفسها على حسابات في الـ”إنستغرام”، معتبرةً نفسها مؤثّرة، اعذروني “انحمقت” هي تؤثّر في أعضاء الذّكور التّناسليّة، وليس في حركة المجتمع الثّقافيّة.

أختم مقالي هذا باقتباس للفيلسوف نفسه صاحب كتاب “نظام التّفاهة”: “إنّ مواقع التّواصل نجحت في ترميز التّافهين، أيّ تحويلهم إلى رموز، حيث صار بإمكان أيّ جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ، أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدّة منصّات تلفزيونيّة عامّة، أغلبها منصّات هلاميّة وغير منتجة، لا تخرج لنا بأيّ منتج قيمي صالح لتحدّي الزّمان”.

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
1 تعليق
الأحدث
الأقدم الأكثر تصويت
Inline Feedbacks
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى