أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأ

طغاةٌ بطريقةٍ أو بأخرى!

د. فاطمة أحمد

لا يمكننا في هذا العصر زعم أنَّنا مسالمون، فنحن طغاة بشكلٍ أو بآخر، وليس ذلك بالأمر الغريب أو العجيب، وليس أمراً يتطلّب النّضال أو يحتاج إلى ثورة ضدّ أنفسنا. هل هذا يعني أن نستمرّ في طغياننا مزهوّين فرحين منتشين؟ لا أبداً!

إذاً هل يعني أن نخاف ونتوجّس ونقلق من بعضنا؟ أيضاً لا!

 ما المطلوب إذاً؟

طغاةٌ بطريقةٍ أو بأخرى!

المطلوب هو التّوقّف لبضع لحظاتٍ للتّفكّر في الحال الذي أنتَ فيه عن قرب، فأن تنتقل من طغيانك على شخص ضعيف إلى طغيانك على شخص آخر قوي لا يعني إطلاقاً أنّك صرت عادلاً، إذ تغيير الأشخاص أو الأدوات أو تبديل في نبرة الصّوت لا يعني الابتعاد عن الاستبداد والطّغيان. ربَّما من الأفضل أن تقتنع وتتصالح مع فكرة أنّ الطّغيان هو جزء لا ينفصل عن شخصيّاتنا خاصّةً وحياتنا الاجتماعيّة عامّةً، إذ لا يمكننا العيش بعيدين عنه، فإذا دقّقت النّظر أكثر في حياتك ستجد أنّك تنتقل من دائرة إلى دائرة أكبر من ممارسة الآخر للطّغيان ضدّك بانتباه منك أو غير انتباه، خذ على سبيل المثال لا الحصر، يشعر الموظَّف بالاستياء أنَّه يعاني من  استبداد صاحب الشّركة، ويتمنَّى أن يصبح مستقلَّاً “فريلانسر” ليكتشف عندها أنّه انتقل إلى طغيان الزَّبون ورضاه، وإذا أصبح رائد أعمال انتقل إلى عبوديّة المستثمر وما يريد، وإذا استقال وترك عمله انتقل إلى طغيان أكبر، وهو المجتمع ونظرته المزدرية لبطالته… كذلك يشعر المراهق أنّه يتعرّض أحياناً للطّغيان من قبل الوالدين، ولكن ما أن “يتحرَّر” ويعيش لوحده، ينتقل إلى طغيان من نوع آخر وأعلى مستوى مثل الجامعة، أو الوظيفة، أو الشّركة، أو مالك البيت الجديد..إلخ. إنَّ الحياة أبسط من تخيُّل كلّ شخص بأنَّ علاقته مع الآخر طغيان بطريقة أو أخرى، كلّنا بحاجة إلى بعضنا البعض، لا يستدعي ذلك المبالغة في أنانيّتنا الذّاتيّة والتّحكّم بقرارات الآخرين ومصائرهم ذلك أنَّنا لسنا عبيداً لبعضنا البعض، وإنَّما يعني ببساطة ألا نتخيّل الأمر بهذه السّوداويّة، أمَّا إذا كان الأمر كذلك حقَّاً فالحريّة الحقيقيّة هي أن تعيش زاهداً فوق جبلٍ ما بعيداً عن مصالح البشر وأنانيّتهم، مع ألواح طاقة شمسيّة، ومزرعة للطّماطم والبطاطا، ومصدر للقوت اليومي الذي لا يقع تحت سيطرة البشر، وحتَّى تصل إلى ذلك فلا تظنّ أنَّ تغيير سيِّدك بين الفينة والأخرى هو الحلّ السّحري، بل يكمن الحلّ في بقعة أخرى في ذهنك!

طغاةٌ بطريقةٍ أو بأخرى!

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى