صباح فخري – صباح حلب وفخرها لا يموت

صباح فخري .. صباح حلب وفخرها لا يموت

غابَ صباحنا، لكن فخرنا ما يزال حاضراً، انتهت الرّحلة لكن كلّ مكان وكلّ أذن سمعت جلجلة رحالها قد طربت وترنّمت.
لن ننسى الصّوت الهادر، الذي تربّت عليه الأسماع قاطبةً، من المحيط إلى الخليج،
ومن منّا لم يرقص ويترنّح على نغمات صوت العملقة، الكبير صباح فخري،
وإن غاب إلا أنّه ترك لنا ولمن سيأتي بعدنا؛ صفحاتٍ معطّرة في تاريخ الغناء العربي.
لُقّبَ بالقلعة، وهو فعلاً مثلها في شموخ صوته، وهل يختلف اثنان، على امتداد البلاد، في الرّأي عن قوّة وجمال هذا الصّوت؟
فهو القلعة الأجمل، وستبقى الصّامدة، مثلها مثل أيّ مكانٍ تاريخيّ عاش ويعيش لمئات السّنين.
امتازت حنجرة صباح فخري بالقوّة والعظمة، فقد أحيّت الماضي من القدود الشّعريّة،
حيث اجتمعت في مدينة حلب، المكان الذي يرتاح فيها تجّار طريق الحرير التّاريخي،
فتكرّست العادة أن يدلي كلّ منهم بدلوه من مكان نشأته، في الشرق أم الغرب، من الشمال أم الجنوب،
وهكذا تكوّنت أشعار حلبيّة، خاصّة بها وبأهلها، الذين طوّروها وصنعوا منها نموذجاً محليّاً للغناء،
لكن وبكلّ قوّة جاء صوت صباح فخري لينقل هذه الشّعريّات بأسلوبه الجميل، والكاريزما التي لا ينافسها حضوراً في كلّ الأصقاع، فعرّفنا بالقدود الشّعبيّة، والموشّحات، وغيرها من الأندلسيّات، والأناشيد الدّينيّة المتداولة في الموالد والأذكار.

اجتمعنا على أغنيات هذا العملاق، حبّاً وفرحاً، ونستمر على اجتماعنا في هذه المحبّة
فالغياب يا “صباح” شكلاً من أشكال الحضور، وها أنت تكرّس فينا هذه القاعدة، لتبقى حاضراً دائماً،
وتزيد سهراتنا ومناسباتنا قيمةً وبريقاً، وترتفع بحالة الفرح نحو السماء، وهل من صوتٍ غير صوتك يتمكّن من هذا الفعل السّاحر؟!
قد غابت هذه الحنجرة الذّهبيّة، لكنّنا نبقى على أملٍ بأنّ حلب المدينة التي يتعشّق الفنّ جدران بيوتها وأسواقها وآثارها،
ستبقى المكان الذي يصدّر لنا المعجزات الفنيّة، وما زلنا نتفاجئ حتى اليوم،
وعلى الرّغم من رغبة الحرب في دمار هذه المدينة بأن كلّ بيت في حلب يمتلك صوتاً جميلاً على الأقلّ،
وكلّ بيت في حلب فيه آلة موسيقيّة على الأقلّ، وما تزال حلب حتى وقتنا الرّاهن تنفي أيّ صوتٍ دخيلٍ يتسلّق من أجل الشّهرة والاستعراض، فيها أساتذة من الطّراز الرّفيع، لا بل معلمين صارمين لا يقبلون المحاباة والوساطة،
فإذا أراد أيّ صوتٍ عربيّ أن يعرف أين هو من التّقييم، لا بدّ أن يتوجّه لمدينة صباح فخري، فهناك سيعرف وزنه الفنّي الحقيقي.
واليوم نطرح سؤالاً راجين منه جواباً من الأمل، هل ستقدّم هذه المدينة صوتاً ثابتاً كصوت القلعة صباح فخري،
الذي أثرى تاريخ الغناء بما قدّم وصدّر؟ هل سيكون هناك خليفة لهذه القامة الذّهبيّة؟
