أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأ

العقولُ المعلّبة … (شبح التّعليم)

د. فاطمة أحمد

هل حقّاً التعليمُ مستبدٌ؟ أم أنّ طلّابنا يخادعوننا؟

تمّ الإعلان منذ فترة عن توقّف الدّوام الجامعيّ فجأة في بلادنا، بسبب سوء الأحوال الجويّة الباردة، فتفاجأتُ بالحجم الهائل للأفراح والاحتفالات، وكمّية السّعادة الغريبة البادية على وجوه طلابي في الجامعة. مع أنّ العطلة كانت سبباً في تأخّر الامتحانات، وإطالة في مدّتها المحدّدة! وصرتُ أسأل نفسي لم كمّية الفرح تكون كبيرة جدّاً عند طلاب المدرسة أو الجامعة ما إن تبدأ لديهم وقت العطلة؟

بعد البحث السّريع اكتشفتُ أنّ السّبب الأساسيّ وراء هذه الفرحة العارمة في العطلة عن الدّوام هو الخوف من شبح التّعليم!

من صنع هذا الشّبح؟

يعدّ المجتمع العربيّ بأجمعه مسؤولاً عن بثّ الخوف والرّعب في قلوب الطّلاب منذ اليوم الأوّل للذّهاب إلى المدرسة، بوعيٍ منه أو غير وعي، وذلك عندما يشارك الأب والأم، والمعلم، والجار، والقريب، والصّديق في صناعة شبح التّعليم الذي يقف من وراء الطالب إن قصّر أو تعب أو نسي أو شعر بالملل!

شبح التّعليم

١الاشتراط عند الأهل:

يرسل الأب والأم طفلهما إلى المدرسة، ويشترطان عليه الالتزام بالقوانين المدّرسيّة، والتّحلّي بالانضباط والاجتهاد في حفظ المعلومات التي يتلقّاها، فإن درس جيّداً سيحبّانه، وإن قصّر في واجباته، سيتوجّه هذا الحبّ والاهتمام لابن الجيران الذّكيّ الذي لا تنقص له أيّة درجة في المذاكرات!

٢الماراثون التّلقينيّ:

مع دخول الطّفل المدّرسة تبدأ المعلّمة في رحلة ماراثون تكاد تقطع الأنفاس خلال العام الدّراسي، لتحشو عقل هذا الطّفل الصّغير بأكبر قدر ممكن من معلومات لا طائل منها وفق ما هو مخطّط في البرنامج التّعليميّ السّنويّ، فضلاً عن زرع فكرة المقارنات بين الطّلاب بين سيئ، وجيّد، ومتوسّط، وممتاز، وخارق الذّكاء! ليجد معظم من في الصّف أنّه ضعيف الشّخصيّة، وغير محبوبٍ ومهمّش، لأنّه لم يستطع تحقيق المركز الأوّل في الماراثون، على حين أنّ الطّالب الأوّل المسكين أيضاً يشدو فرحاً لتفوقه وعلوّه على زملائه، وذلك لتمكّنه من حفظ كلّ المعلومات التي حشا بها ذهنه إلى حدّ لم يبق عنده فسحة لأيّ نوع من أنواع الإبداع خارج هذا الكم المثير للغثيان، من معلومات وأفكار نظريّة ربّما أكل الدّهر عليها وشرب!

شبح التّعليم

٣أنا ولا أحد:

مع نهاية كلّ فصل دراسي تبدأ حملات التّباهي والتّنمّر بين الأقارب والأصدقاء والجيران لإثبات الابن/ة الأكثر عبقريّة في حفظ المعلومات السّريعة، والقدرة الخارقة على تذكّر أكبر قدر من الأفكار المكتوبة في المناهج غير المفكّر فيها غالباً!

٤لوحات مبرمجة:

يصل الطّالب في عالمنا العربيّ إلى الجامعة، وهو أشبه بلوحة مبرمجة على الاستقبال فقط، مجرّداً من السّؤال والاستنتاج، ومحروماً من الفضول المعرفيّ، فكلّ شيء عنده سواء! لم يعد عنده ما يسمّى بالشّغف والحبّ، فقد حلّ مكانهما الخوف من الرّسوب، والقلق من الامتحان، والعيش في كابوس مقرّرات الأستاذ الجامعيّ الذي يكون في الغالب والأعم مكمّلاً لمشوار الكبت الفكريّ، وخنق المحاكمة المنطقيّة عند الطالب!

شبح التّعليم

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى