سيكولوجية المطر …
هديل مزهر

ثمّةَ أشياءٌ لا يمكنُ الفصلَ بينها، كالشّروقِ والغروبِ، الصوتُ والصدى، اللّيلُ والقمرُ، الحبُّ والذّكرياتُ والمطرُ…
غرفةٌ صغيرةٌ ظلماء، في ليلةٍ شتويّةٍ باردةٍ، خالية من كلّ شيءٍ، سوى نيران الموقدة، ورائحة القهوة بمحاذاة المطر، الذي يزلّزلُ كلّ مكانٍ في الخارج، وقد خيّم بظلّهِ فوقَ جدران الغرفةِ.
خالية من كلِّ شيء عدا سكون الليل، وذكرياتي التي يحملها الشّتاءُ إليَّ مع كلّ زيارة، “ففي ثوبِ السّكون، تختبي الأحلام”.
تغمرني وعلى نحوٍ مريبٍ رغبةً عارمةً، بكسّرِ جليدِ الصّمت، والكبرياء، والإسراع نحو هاتفي لسماعِ صوته كي أقولُ له، وعلى سبيلِ الحبّ: “اشتقتلك”.
هل شعرتم يوماً بذلك العبق الخفيّ لمشاعر الألفة، والهدوء، والسّكينة، تجوبُ المكانَ من حولكم، وتجرّدُ أرواحكم من كلّ الطّاقاتِ السّلبيةِ، فورَ سماعكم صوت تهاطل الأمطارِ؟!

هل عصفت بكم ريحُ الشّوقِ لشخصٍ ما، مكان، حالة، أو حتى فترة من الزّمنِ كان السلامُ، والاطمئنانُ سيّدَ الأحوالِ فيها، كلّما نقرت قطراتُ النّدى على شبابيكِ ذاكرتكم؟!
أتساءل كثيراً عن سرِّ هذا التّرابط الوثيق، بين الشّتاءِ والحبِّ، والذّكرياتِ، خاصّةً الحزينة منها، وبمعنىً أدقّ، كيفَ لعطرٍ إلهيٍّ من التّرابِ والمطرِ أن يأخذنا لأشخاصٍ وظروفٍ وأحوالٍ نحن أبعد ما يكون عنها، ويهوي بنا في قاعِ الذّكريات؟! أيعقلُ أن يجتاحنا كلّ هذا القدر من الحنينِ والشّوقِ لأصواتِ ووجوهِ من نحبّ؟!
أثارت أسئلةٌ كثيرةٌ فضولي، للبحثِ فعلاً عن الأسباب، فتبيّن أن الرّومانسيةَ في الشّتاءِ، وخاصّة مع سقوطِ الأمطارِ، يرجع إلى زيادة إفراز مادّة “الإندورفين”، التي تسبّبُ ضغطَ الدّمِ، وارتعاشَ الجسدِ، وهي علاماتُ الوقوعِ في الحبّ، والتي تبعثُ مشاعرَ السّعادةِ ،إضافةً إلى زيادةِ هرمون “السّيروتونين”، الذي يعملُ على تعديل المزاج لدى الإنسانِ، فالشتاءُ يرتبطُ بالحركةِ والحيويّةِ، بعكس ارتفاع الحرارة في الصّيف، والذي يؤدّي لخمول الجسم، والكسل، ويصبح من الممتع الخروج مع شخصٍ تحبّهُ، والتّمتّع بنسمات البردِ الخفيفة، والمطر.
أمّا أنتم، فبعيداً عن الأسبابِ العلميّةِ، لا تنتظروا كثيراً للتّعبيرِ عمّا تكتموه من حبٍّ، حزنٍ، شوقٍ، أو حتى بكاء.
لحظة … لحظة، صوتُ رنين هاتفي، يا إلهي ربّما هو … سلام.
