أحدث المقالاتمواهب واعدة

سيرك الأزياء على ريد كاربت

د. فاطمة أحمد

سيرك الأزياء على ريد كاربت

“عل بساطة البساطة … يا عيني عل بساطة!

غديني خبز وزيتون وتعشيني بطاطا!”

الله يرحمك يا “صبّوحة”، “الشّحرورة”، كم كنت تفهمين الحياة بشكلٍ صحيحٍ على عكس ما كان ظاهراً ومُشاعاً عنكِ!
إذّ ليست البساطة معادلة مساوية لفقر الذّائقة الجماليّة، كما يعتقد العديد من النّاس، ولا سيّما النّساء،
على العكس من ذلك تماماً، إذّ تعدّ البساطة في كثير من الأحيان شكلاً من أشكال الحُسن والجمال، بحسب علم الجمال وقوانينه،
كما أنّها تعكس حالة انسجامٍ، وارتياحٍ، وتصالح المرء مع نفسه، والآخرين.

أقول قولي هذا؛ وأنا أراقب الهرج والمرج الذي يحصل مع كلّ مهرجانٍ فنّيٍّ للمشاهير في العالم العربي،
والذي ترافقه مجموعة “تريندات”، و”فيديوهات”، ومقابلات، على منصّات التّواصل الاجتماعي،
حول الملابس التي يظهر بها الفنّانون، والفنّانات، بشكل أوسع، على السّجادة الحمراء أو ما يسمى بالـ”ريد كاربت”. 

لا أنتقد هنا مسألة الحشمة أو العري في الملابس، فهذا موضوع آخر، ولست هنا في صدد مناقشته،
وذلك لأنه يتعلّق بالرّؤية الشّخصيّة لكلّ إنسان، ومعتقده، ودينه، وعلاقته مع خالقه أو معبوده، لكنّني أتساءل،
كما يتساءل كثيرون مثلي، لماذا لا تتّخذ الفنّانات العربيّات المشهورات من خلال حفلات التّكريم أو احتفالات عرض الأفلام المرشّحة للجوائز العربيّة حملة بعنوان (فستان بسيط واحد يكفي)، وذلك إقراراً منهنّ بالتّعاطف مع الفقراء، والمساكين، والمنكوبين، الذين هم في الغالب من مواطنيهم! ما الضّرر في فكرة البساطة في اختيار الفستان أو تكراره مرّاتٍ عدّة؟
ومن أين أتت أصلاً فكرة استنكار بساطة الملابس أو تكرارها بالنسبة لفنّانات معروفات عربيّاً في مجال الغناء أو التّمثيل؟!

سيرك الأزياء على ريد كاربت

سيرك الأزياء على ريد كاربت

لقد رأينا مؤخّراً كيف كان فستان زواج ابنة أغنى رجل في العالم “بيل غيتس” بسيطاً غير غريب أو مؤذٍ للعين،
كما شاهدنا قبله كيف كرّرت الدّوقة “كيت ميدلتون” ارتداء ملابسها في عدّة محافل،
وقد أظهرت احتراماً عندما لبست ثياباً من المحلّات العاديّة، رخيصة الثمن،
كذلك كرّرت الملكة البريطانيّة “إليزابيث” ملابسها احتراماً لسياسة التّقشّف في بلادها، لعلّها مبادرة عاديّة عند الكثير وغير كافية،
ولا سيّما عندما تكون كلفة تصميم الفستان، حتى لو كانت بسيطة أو مكرّرة، باهظة الثّمن،
لكونها موقّعة من أشهر المصمّمين العالميين.

أنا لا أطلب من تلك النّساء العربيّات المشهورات أن يتحوّلنّ إلى غاندي الذي ارتدى الت”هوتي”، المصنوع من قطن بلاده، والمحلوج بأيدي أبنائها، لكن ما المانع من إطلالات بملابس بسيطة مكرّرة، بسيطة بشكلها وثمنها،
والبساطة هنا لا تعني ثوباً كلاسيكيّاً ثمنه مئات الألوف من الدّولارات، بل ثوباً لأيّة امرأة من هذا العصر، وتعيش على كوكب الأرض، لاسيّما إذا انتبهنا إلى أن ثمن التّصميم الواحد قد يعالج مريضاً بإحدى الأمراض الخبيثة، يتفسّخ جسده وجعاً،
فيجعل حياته أفضل، وقد يشفى تماماً. أظنّ أن مثل هذه المسألة ليست معقدة إذا ما فكّرنا بضرورة التّعايش الإنساني المشترك. لذا آمل أن يتمكّن مشاهير العالم العربي من التّخلّص من عقدة التّنافس في الاستعراض الغريب من نوعه على مستوى الشّكل، والذي تتمّ إثارته بقصد أو بغير قصد، وكأنّنا أمام سيرك تهريجي، وليس حفل تكريمي لأعمال فنيّة يُفترض أن تكون لها الرّيادة المعرفيّة عربيّاً!  

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى