“سامي كلارك” الصّوت الذّهبيّ يأبى الفناء!

“هَا نَحْنُ ذَا عَلَى دُرُوبِ كَنْزِنَا.. نَسِيرُ مَعَاً وَأَمَالنا تَسِيرُ قبلنَا.. منْ غَيْرنا يقَطعُ دَرْبَاً مِثْلنَا.. دَرْبَاً خَطِيرِة إلى الجَزيرة منْ غَيْرُنَا”.
هذه الكلمات هي من شارة المسلسل الكرتونيّ “جزيرة الكنز”، والتي رافقت جيلاً كاملاً منذ الطّفولة، وبقيت معه في ذاكرته الدّفينة حتّى بعد ما شبّ وكبر!

أذكرُ تماماً كنتُ أسمع هذه الكلمات بصوت الفنّان “سامي كلارك” من الشّاشة الصّغيرة، وكانت حواسي تتراقص ترنّماً مع صوته الجهوري الواضح والقويّ والعذب مع أنّي لم أكن أعي أبعاد معاني الكلمات جيّداً بسبب صغر سنّي. ولم أكن أيضاً أميلُ إلى مشاهدة المسلسل الكرتونيّ سوى شارته، ولكنّ عمق صوت “سامي كلارك” استملك مشاعري كما استملك مشاعر الملايين من أبناء السّبعينيّات والثّمانينيّات، وذلك بأدائه المميّز والقويّ، والصّادر عن أحاسيس صادقة ومؤثّرة.
رحل عنّا جسد الفنّان اللّبنانيّ “سامي كلارك” الأمس عن عمر يناهز 74 في أحد مشافي بيروت تاركاً وراءه إرثاً فنيّاً مشرّفاً ورصيداً من التّكريمات العالميّة. قد كانت بداياته على مسارح أثينا في أوائل السّبعينيّات مع الموسيقار “إلياس الرّحباني” حيث قدّم آنذاك أغنية فرنسيّة اشتهر على إثرها، فتنقّل بعد ذلك بين المسارح الأوروبيّة ليحصد العديد من الجوائز والأوسمة كأفضل فنّان عربيّ يغنّي باللّغة الأجنبيّة. وقد بلغت حصيلة إبداعات “سامي كلارك” بحسب ما ذكره هو في لقاءاته التّلفزيونيّة 712 أغنية عربيّة وأجنبيّة، ومنها الوطنيّ والخاصّ بالأطفال، ومن أشهرها: “آه آه على هالأيّام”، “قومي تنرقص يا صبيّة”، “موري موري”، “بتتذكري”…

لم يكن “سامي كلارك” فنّاناً يغنّي كلمات موسيقيّة فحسب، بل كان مربّياً حقيقيّاً ومؤثّراً في أفكار جيلنا. لقد تأثّرنا بكلمات أغنية “غريندايزر” بأنّ الخير سينتصر على الشّر مهما طال الزّمن، وبأنّ قيمة الجمال لا تنفصل عن معنى الخير مهما اشتدّ وتيرة القبح، كما تعلّمنا من كلمات “جزيرة الكنز” معاني الإصرار والتّصميم لتحقيق طموحاتنا وأحلامنا وألّا نركن للتّخاذل والكسل. لقد زرع في إرثنا الفكريّ الموسيقيّ الكثير الكثير.

كم أتمنى لو يخصّص أبناء جيلنا المعاصر القليل من الوقت لسماع هذا الصّوت الذّهبيّ الذي لا يهرم، ولا يقبل الفناء حتّى وإن وارى جُثمانه الثَّرى!