أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامة

زواج البنت أم دراستها بين معارض ومؤيّد

د. مأمون علواني في حوار خاصّ مع د. فاطمة أحمد

-ما زال هناك العديد من الحالات في مجتمعنا العربيّ تدور حول فكرة إجبار الأهل الابنة على ترك التّعليم وتزويجها، من مبدأ أنّ الجامعة لا تبني مستقبلاً باهراً للفتاة، وبأنّ الفتاة مآلها الأخير هو إدارة البيت وتربية الأطفال. كيف تفسّر هذا الأمر؟

تفسير هذا الأمر مبنيٌّ على الجّهل المتوارث من مئات السّنين، للأسف، على الرّغم من كلّ الانفتاح الموجود عن طريق الانترنت، وخاصّةً في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ونشرات الأخبار، والأفلام، والمسلسلات، لم يتوصّل الإنسان العربيّ إلى تحديث ما موجود في دماغه من موروث بائد يتجلّى في ١- المرأة هي العورة ٢- البنت هي الشّرف ٣- المرأة هي العِرض، وبالتّالي أصبح عقل الذّكر العربيّ الجمعيّ مبنيّ على ألّا تتعرّض ابنته أو أخته لأيّ لمس أو أيّ كلمة هنا أو هناك كي لا تحدث فضيحة من أجل ألّا تتحطّم ذكوريّته. فإذا أساءت أو أخطأت المرأة، فالشرف الذّكوريّ ينكسر ويزول، على حين أنّه لو فعل هو الكوارث فإنّ هذا من حقّه ولا ضير فيه. نعم! هذا بناء ذكوريّ متوارث أساسه الجّهل، ولا يمكن تجاوزه إلّا بالعلم والوعيّ والانفتاح والعدل بين الذّكر والأنثى، إذ لم يفرّق بينهما لا دين ولا شرع. الذي فرّق بينهما هو سلوك بعض الذّكور ممن يتحكّمون بالأرضيّة الشّعبيّة في مجتمعنا، عندما حوّلوا النّاس إلى خراف منساقة عبر مئات السّنين. فأصبحت عادة الخوف مبثوثة في جيناتنا، فإذا رأى مثلاً أحداً ابنته أو أخته تمدّ نظرها من النّافذة يرتاب ويخاف، هذا كلّه يدفعه إلى أن يصبح متضعضعاً، وفي حال إن كان، نوعاً ما، هذا الرّجل العربيّ متحرّراً وواعياً، ولا يهتمّ بمثل هذه السّذاجات، فالمجتمع من حوله يجابهه، ويغلق عليه هذا الوعيّ، ويتّهمه بأنّه لا يملك شرفاً أو نخوة أو مروءة، لأنّه يسمح لابنته بالكلام مع صديقها في الجامعة مثلاً. في النّهاية يضّطر هذا الرّجل أن يعود إلى أصل العادات الموروثة في المجتمع، أو سيضّطر إلى ترك هذه المجتمعات من خلال الهجرة، وكلامي هذا يشمل البلاد العربيّة جمعاء، من غير أيّ تخصيص. فتجدين مثلاً أنّ الرّجل في مجتمعاتنا يريد أن يتخلّص من “همّ المرأة”، فيعمد إلى تزويجها بأيّ شكل كان، إذ أصبحت الفكرة هاجس عنده، فيقول “دعني أرتاح وأزوّج ابنتي أو أختي، لأنّ بيت زوجها أحسن لها خوفاً من كلام النّاس الذي لا يرحم”

زواج البنت أم دراستها بين معارض ومؤيّد

كذلك هناك فكرة خوف الذّكر (زوجاً كان أو أخاً) بأن تتحكّم هذه المرأة به إذا تعلّمت. وللأسف الشّديد أيضاً هناك الكثير ممّن يحزن ويعاني إذا ما أنجبت زوجته فتاةً. وهناك من يفكّر أن يبني مستقبل ابنته في أحضان المطبخ، وما إن يحن وقتها للزّواج يقول لها: هيّا إلى بيت زوجك دلّليه، واسمعي كلمته. وإن اختلفت مع زوجها يقول لها: عودي إلى بيت زوجك، فهو أحسن وأفضل لكِ. لماذا كلّ هذا؟؟ المرأة من حقّها الطبيعيّ جدّاً الدّفاع عن نفسها في حال ضربها أو وجَّه إهانة لها. وللأسف ٨٠٪ من الرّجال ضعفاء في مواجهة المرأة منطقيّاً وفكريّاً. ليس السّبب في ذلك كما يُشاع “طول لسان المرأة”، على العكس من ذلك، بسبب قصر ذهن الرّجل غالباً، لأنّ المرأة عامّة تمتلك محاكمات عقليّة أقوى من الرّجل، ولديها أيضاً رؤى مستقبليّة بناءً على مشاعرها وحدسها الصّادق. أقول لكِ عن نفسي: كثيراً ما تقدّم لي زوجتي نُصحاً في بعض المسائل، وأبقى متعنّتاً على رأيي، فأستنتج في المستقبل أنّ رأيها هو الصّواب. لذلك أعود وأراجع نفسي في التّشاور معها، والأخذ برأيها. عندما قال اللّه تعالى: “إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة..” لم يستثنِ المرأة من ذلك، لأنّ كلمة الخليفة مطلقة، وتعني قيادة الأرض، والسّيطرة عليها. وهذا لا يكون إلّا بالعلم والمعرفة.

نصيحتي لكلّ الرّجال، ولاسيّما الأب والأخ، دع الفتاة تكمل جامعتها لأنّ سلاحها في الحياة، لمواجهة مصاعبها، هو العلم. دعها تحقّق شغفها في إكمال دراساتها العليا كي تفتخر بها كما تفتخر بابنك أو أخيك.

زواج البنت أم دراستها بين معارض ومؤيّد

ماذا لو كانت الحالة معكوسة بأنّ الفتاة مثلاً لا تريد إكمال تعليمها وترغب في الزّواج وتكوين أسرة، ما موقفك تجاه هذه المسألة، ولاسيّما أنّك أبٌ لثلاث فتيات؟

سأقول لكِ عن تجربتي الخاصّة: أخاطبُ بناتي منذ أن بدأن بالوعي في صغرهنّ بلغة منطقيّة، ومحاكمة عقليّة كي لا يضعفن أمام أحد، وأحرصُ دائماً أن أريهم نماذج من مشكلات اجتماعيّة تواجه الفتيات اللواتي لا يرغبن في إكمال الدّراسة. وأحاورهنّ على أهمّيّة العلم من أجل بناء الشّخصيّة، والقدرة على اتّخاذ قرارات حكيمة في المستقبل، هذا لا يعني ألا تتزوّج، وتنجب أطفالاً أبداً على الإطلاق! ولكن عندما تكمل الفتاة تعليمها لن تصبح مقيّدة لسُلطة الزّوج، وإنفاقه عليها في حال حصل خلاف بينهما. وللّه الحمد أفتخر بأنّ بناتي الثّلاث، وبحسب تربيتي لهنّ لا يعانين من مثل هذه المشكلة.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى