يجب أن تصبح رئيس وزراء على أقل تقدير

لا يكفي أن تكون رئيساً تنفيذيّاً بعد الآن، يجب أن تصبح رئيس وزراء على أقلّ تقدير …
عنوان فيه نفحة من الفكاهة، لكنّه حقيقة بيّنة، فمن بعد استحواذ رجال الأعمال – المنحدرين من أصول هنديّة – على منصب الرّئيس التّنفيذي لعدد من أهمّ الشّركات في العالم، مثل: “غوغل”، “مايكروسوفت”، “أدوبي”، “ماستر كارد”، “بيبسي”، “أي أم بي”، “ألبرتسون”، “ميكرون”، “نت أب”، “نوكيا”، “بالو ألتو”، “أريستا”، “نوفارتيس”، وغيرها.
أصبح بإمكاننا الآن أن نقول بأنّ الرّئيس التّنفيذي للمملكة المتّحدة هو من أصل هندي أيضاً.
نعم، لقد تمكّن “ريشي سوناك” من نقل التّحدّي إلى مستوى مختلف تماماً.
لم أتخيّل يوماً أن أحيا لأرى الدّيمقراطيّة تتجسّد في ابتسامة نصر حقّقه رجل أسمر البشرة، هندي الأصل من جهة الوالدين، وأقتبس “ريشي سوناك” يجعل كلاهما – الهند والمملكة المتّحدة – فخورتين”.

مع العلم أنّه في 3 شباط / فبراير من العام 1954، وتحت بند جدول أعمال بعنوان: العمّال الملوّنين، نقل عن “تشرشل”، بتصرّف، سكرتير مجلس الوزراء، “سير نورمان بروكس”، قوله: “مشاكل كثيرة سوف تنشأ إذا استقر العديد من الملوّنين هنا. هل سنثقل كاهلنا بمشاكل (الملوّنين) في المملكة المتّحدة؟ أولئك الذين تجتذبهم دولة الرّفاهيّة. لكن لن يكون الرّأي العامّ في المملكة المتّحدة متسامحاً مع ذلك بمجرّد أن يتجاوز حدوداً معيّنة”. لكن اليوم نرى أنّه لم يبقَ أيّة حدود.
فالملوّن ذو الأصل الهندي، هو بريطاني حتّى الصّميم الآن. هو ليس غريباً أو مهاجراً أو غيرها من الصّفات والألقاب، هو ابن البلد. فالوطن ليس حدوداً جغرافيّة بقدر ما هو شعور انتماء.
بعد مرور عقود عدّة على حقيقة مرّة يستحضرها العالم الآن، حين وضع البريطانيون لافتات خارج مؤسّساتهم في الهند تقول: “الكلاب والهنود غير مسموح بهم”. اليوم وفي عقر دار المملكة، ينصّب ذو الأصل الهندي رئيساً للوزراء.
“ريشي سوناك” يسمّى رئيساً لحكومة المملكة، التي لا تغيب عنها الشّمس، بالتّزامن مع عيد الأضواء “ديوالي” الذي يحتفل به الهندوسيين.

وقد أشعل “ريشي سوناك” الشّموع أمام باب مكتبه، الذي سيشغله خلال تولّيه هذا المنصب، قبل دخوله الأوّل إليه.
أمّا المفارقة المضحكة، هي أنّه يمكن لنا أحياناً أن نكون أبناء البلد نفسه والمحافظة نفسها، لا بل المدينة … لكن من قرية أخرى.
وإن قُدّر لنا وانتقلنا من قرية لأخرى لأيّ سببٍ كان، سواء دراسة أو زواج أو نزوح، كما كان الحال في السّنوات الماضية، سنحمل لقب الغريب أو الغريبة، وسيتوارث اللّقب الأبناء والأحفاد حتّى، فنصبح غرباء في الوطن، غرباء في وطننا!
لكن المملكة المتّحدة أثبتت أنّه لا مستحيل في هذا العالم، وأنّ الكفاءة وحدها هي الحاكم، ومعيار التّقييم.
هنيئاً لهم هذا التّغيير المُزلزل في مجرى التّاريخ.
وهنيئاً لنا امتلاكنا ما يكفي من الحظّ لنكون شهوداً على ذلك!