أحدث المقالاتمواهب واعدة

رهاب الزّواج في بلاد الحسين وعمر

بيسان خلف

رهاب الزّواج في بلاد الحسين وعمر

“لا تتزوجيه ستنجبين أطفالاً بشرتهم سوداء اللّون”؟!، “إيّاك أنّ تقع في حبّها! أجدادها قتلوا الحسين”؟!، “يجب أن تبصق على عباءته؛ كان السّبب في صلب المسيح”؟!، “لاجئ، جاهل، مستجدي الصّدقات”؟!، وغيرها من العبارات التي تمثّل مستوى انحطاط تعابيرنا عن تنوّعنا في المجتمع، ونستعملها للتّفرقة، ونشتم بها بعضنا البعض، ولو على سبيل المزاح.

تعصّبنا للفكرة الواحدة كان نتاج خلافاتٍ سياسيّةٍ، وأخرى دينيّة، لم تودي بنا لشيء سوى إلى المزيد من التّخلّف، والانقسام الذي تمسّكنا به، وجعلنا نخلق اختلافاً داخل مجتمعاتٍ متجانسة في الدّين، فأصبحنا نعتبر اللّون، والمستوى المادّي، والعادات، مصدراً للنّزاع، حتّى تحرّر الجسد الأنثوي، خلق صراعاتٍ عدّة!

نزاع الاختلاف هذا؛ غير مرتبطٍ في مكان معين، أو دولة معيّنة، لدرجة أنك تستطيع أن تجده حتى في أكثر الدّول تقدماً وانفتاحاً، فبعد نصف قرن على خطاب “مارتن لوثر كينج” التّاريخي: “أي هاف أدريم”، في الولايات المتّحدة، مازالت التّفرقة بسبب اللّون مستمرة، وشهدنا نماذج بسيطة عنها خلال فترةٍ ليست بالبعيدة، قبيل نهاية حكم الرّئيس “دونالد ترامب”، وما تزال نسب الزّواج المختلط نادرةً بين السّود والبيض، لكنّهم على الأقلّ استطاعوا تحقيق الزّواج فيما بينهم، ولو بنسبةٍ ضئيلةٍ، أملاً بإنجاب جيلٍ يضع حدّاً لهذا الاختلاف، ويخلق آباء قادرين على تقبّل لون شريك أولادهم.

لكن في بلاد “الحسين وعمر”، والقيامتين، الأمل معدوم جدّاً، فالاختلاف في هذه الدّول ليس عائداً للون فقط بل أيضاً لاختلاف المذاهب الدّينيّة، التي جلعت منا نشتم بعضنا البعض فقط بسبب الأسماء المختارة من قبل أباء متعصّبين، ونرفض الزّواج بمن يختلف عن أعرافنا الطّائفيّة، ثمّ نتفاخر بالعلمانيّة، لكن عند تطبيقها نذهب فوراً إلى شيخ الطّائفة!، والمستهجن أنّهم يواكبون الثّورة الرّقميّة، والتّكنولوجيّة، التي تُمكّن الإنسان من معرفة الآخر، والانفتاح على العالم، لكنّهم ما يزالوا متعصّبين، وخاصّةً عندما يتعلّق الامر بالزّواج.

رهاب الزّواج في بلاد الحسين وعمر

القصّة ليست بالأمر السّهل فعلاً

فهذه المجتمعات شكّلت مصدر رهابٍ للكثيرين نتيجة تجارب سيئة مرّت على رؤوس شبابها، خصوصاً في العلاقات العاطفيّة التي تجمع بين شابّ، وفتاة، من طوائف مختلفة، يكونان على استعداد تامّ لمواجهة رفض علاقتمها رفضاً لم يحكمه الدّين، بل حكمته عادات وتقاليد وأعراف سائدة بين العائلات، والمجتمع، تحت عبارة “يلي ما بياخد من ملته بيموت بعلته”، وكأنّ الزّواج فقط “مكنة” إنجاب لزيادة عدد أفراد الطّائفة، والأكثر رعباً عندما يتمّ التّصريح عن تلك العلاقة، إذّ تقف الأمّهات والآباء بوجوه ساديّة، يتآمرون على التّنكيل في الحبّ الذي جمعهم بأكثر الطّرق الوحشيّة المتاحة!

تبدأ أعراض انتقام العائلة بوضع شروط لقبول العلاقة، “الماما بدها حجاب، والبابا بدو جلابية”، ثم ينتقل للمرحلة الأكثر إجراماً بصراع العائلتين على تقاليد الزّواج الخاصّة بكلّ طائفة، فتتسرّب اللعنة الطّائفيّة إلى العلاقة بين الطّرفين، وتبدأ بالنهش، محاولةً قتلها تدريجيّاً، تحت مراقبة أعين الآباء المحمّلة بمشاعر الفخر والرّضا، وفوراً يتسلّل الانقسام، فيحاول كلّ طرف إرضاء عادات مجتمعه، ومذهبه على حساب الطّرف الآخر، وتتّسع الفجوة إلى أن تصبح العلاقة بحدّ ذاتها محكومةً بشروط مستحيلة، ومرفوضة، من قبل الطّرفين.

لا شكّ أن تبعات الحروب الأهليّة، كانت أكثر ما ساهم في تعزيز النّظرة السّيئة للزواج، في مجتمعات “فوبيا” الطّوائف، التي أحدثت شرخ كبير بين المسلم وأخيه المسلم، والمسلم وأخيه غير المسلم، وخلقت لكلّ طائفة جماعة حاضنة، ولكلّ جماعة عادات يكون الالتزام بها، وتقديسها، بمثابة دستورٍ إلهي، معارضته تعني معارضة إله الجماعة الحاضنة.

تناسى آلهة الطوّائف، على ما يبدو، أنّ لكلّ منّا قصّة، وعنوان، وتشابهنا أمر مستحيل، لأننا بالأساس خلقنا مختلفين، لكن يمكننا تشارك الحبّ، والمشاعر، والقيم، فهل لأننا مختلفين نصبح أعداء؟! وهل مذاهبنا لعبة ملاكمة على حلبة صراع؟!

اختلافنا من المفترض أن يكمّلنا، وليس أن يفرّقنا، لكي نبني علاقات إنسانيّة متواصلة، عوضاً عن استمراريّتنا في متاهة صراعاتٍ لا متناهية، قد أختلف معك، وتختلف معي، لكن يمكننا أن نكون أصدقاء، كما يمكننا إنجاب طفل لا طائفي.

رهاب الزّواج في بلاد الحسين وعمر

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى