رزقة تجار الفيسبوك

تجتاح مواقع التّواصل الاجتماعي وتحديداً الـ”فيسبوك”، في الآونة الأخيرة، منصّات وصفحات عديدة تولي اهتمامها بأخبار فنّاني الدّراما وتلاحق حياتهم الافتراضيّة في أدقّ تفاصيلها، حيث لا يتعدّى محتوى بعضها سوى صور الفنّانين، وأخرى تتضمّن برامج وفقرات حواريّة قصيرة ولقاءات ساذجة مع فنانين، هدفها طرح أسئلة جدليّة للحصول على أجوبة من الفنان/ة الأكثر جدلاً، وذلك بهدف تحقيق المشاهدات والتّفاعلات، فيتحوّل الأمر إلى ما يسمّى “تريند”، على عموم الصّفحات الأخباريّة المختصّة بالفنّ وغيرها.
صيد ثمين
تعمّد عديد من الصّفحات والمنصّات، في “فيسبوك” على وجه الخصوص، إعادة نشر أيّة صورة أو “بوست” يكتبهُ الفنّانون، على صفحاتهم الشّخصيّة في مواقع التّواصل، وكأنّ روّاد هذه المواقع ينتظرون على أحرّ من الجمر هذه الصّورة أو المنشور الـ”فيسبوكي”!
على سبيل المثال، ينشر فنان\ة ما، بغض النّظر عن مكانته وحضوره الفنّي، صورة له، فترى هذه الصّورة تملأ (الفضاء الأزرق)، ويتمّ تداولها على مدى أيّام، تحت عناوين مختلفة، منها: إطلالة الفنان/ة الصّاعد/ة، أحدث جلسة تصويريّة للفنّانة (…..)، إطلالة جريئة للفنانة(…).
الغرابة في الأمر، أن غالبيّة الصّفحات والمنصّات تنقل نفس الصّور أو المنشور الـ”فيسبوكي”، من دون تغيير أيّ شيء، لتحقّق ما تريد من “تفاعلات وتعليقات”!

ما يدفعُ للاستهجان والتّساؤل دوماً، من الذي وكّل هذه الصّفحات والمنصّات لتقييم الفنّانين بين صاعد ونجم، أو هذا الظّهور جريء وغير جريء؟!
قد يكون الصّيد الثّمين للصّفحات والمنصّات الـ”فيسبوكيّة”، مشهد أو لقطة من فيلم سينمائيّ أو مسلسل تلفزيونيّ، يحدث فيها تفاصيل (حميميّة)، فيستغلّون الأمر، ويحوّلونه إلى حدث يشغلون به الفضاء عدّة أيّام، من دون تقديم مادّة مهنيّة تفتح المجال للنّقّاد أو الخبراء للإدلاء برأيهم، حيث لا يتعدّى الموضوع سوى تناقل الخبر بصورة نمطيّة رتيبة لا يستطيع المتابع معرفة المبرّر الدّراميّ لهذه المشاهد أو اللّقطات، ولا حتّى يُسمع حولها صوت أهل الخبرة، لأنّ هدفها الأساسي هو تحصيل الـ”لايكات” والمشاهدات فقط.
ظهور لأجل الـ”تريند”!
يعمد أيضاً عدد من الفنّانين، بغض النّظر عن مكانتهم في الوسط الفنيّ، وخاصّة من هم بعيدين عن الظّهور الدّراميّ، إلى تعويض ذلك، في الإدلاء بتصريحات مثيرة للجدل لصفحة أو منصّة فنيّة ما، بهدف جذب الرّأي العامّ الفنّيّ والشّعبيّ، وتسليط الضّوء عليهم مجدّداً، فمنهم من يهاجم زملاءه، ويقول عنهم ما أنزل اللّه به من سلطان، من دون ضوابط، أو أدبيّات مهنيّة أو أخلاقيّة، وهنا تُسارع الصّفحات الفنيّة وغيرها، لتتناقل هذا الكلام، وينتشر كالنّار في الهشيم، وكأنّ ذلك وقود عملهم ينتظرونه لحظة بلحظة، ممّا يؤدّي إلى حدوث ضجّة واسعة تستمرّ لعدّة أيّام، وكأنّ الفنّ الحقيقي متوقّف على هذه التّصريحات والأقاويل!
تتجاهل هذه الصّفحات المريبة قيمة الأعمال الدّراميّة النّاجحة التي تستحّق الإشادة والثّناء المهنيّ، أو ما تحتويه من ضعف، إن كان في النصّ أو الحبكة الدّراميّة أو الحالة الإخراجيّة والبصريّة، وما تحتاجه من انتقادات بنّاءة من أهل الاختصاص.
قد ازدادت مؤخّراً البرامج الحواريّة مع الفنّانين، حيث ترى بعضهم يظهر على منصّتين مختلفتين خلال أسبوع واحد، ولا يحتاج هذا العمل سوى لمقدّم يحمل بضعة أسئلة مكرّرة مبتذلة، منها: “شو آخر عمل لك؟ في أعمال عم تحضّروها؟ الفنان الفلاني هيك عم يقول أنت/ي شو رأيك بالموضوع؟ ممكن تكون أمنيتك الإقامة الذّهبيّة بالإمارات؟”.

من جهةٍ أخرى!
اللافت للانتباه، في نشاط هذه الصّفحات والمنصّات، غياب الفنّانين الكبار وأعمدة الدّراما السّوريّة وتهميشهم، والأمر هنا يحمل شقيّن من الاحتمال، فربّما هم يرفضون الظّهور، أو أنّ مقدّمي هذه البرامج يبعدونهم لأنّ نمط وأسلوب برامجهم لا يتناسب مع مكانة وقيمة هؤلاء الفنّانون على الصّعيدين الشّخصيّ والمهنيّ.
لا خلاف على أنّ الفنّان القدير غنيٌ عن هذه اللّقاءات السّطحيّة، فأعماله كفيلة بتقديمه في أبهى صورة لجمهوره ولا حاجة لتوصيفات هذه الصّفحات والمنصّات التي تُطلق ترّهات لا طائل منها.
ختاماً
من الأفضل، الاهتمام بصفحات ومنصّات تقدّم محتوى يزيد من ثقافتنا في كافّة المجالات والمعارف، ولا ضير في متابعة المحتوى التّرفيهيّ أو الكوميديّ الرّاقي، لأنّ الإنسان بطبيعته يطلب ذلك للتّرويح عن نفسه.
إنّ تغيير سلوكنا في عالم مواقع التّواصل الاجتماعيّ، و”فيسبوك” تحديداً، لا يتطلّب سوى الإرادة الصّلبة، وضغطة زر تلغي الإعجاب هنا وتُعجب بما ينفعك هناك.
