“الدّين معاملة”…???…كان زمان
سماح الحمادي

قلّ لي ما هو دينك حتى أضع استراتيجيتي للتّعامل معك؟ فلربّما اتقبّلك، وربّما أًنفرَك أبداً.
أنها خلاصة الخلاصة لحقيقة تعاملنا البشري في هذه الآونة.
بات ميزان حكمنا على الآخر ذريعة انتمائه الدّيني وتوجّهاته اليوم، فما دمت تنتمي لجماعةٍ لا أرى فيها علاقةً مع الدّين الذي أفضل فأنت بالنسبة لي كافرٌ جاهل.
حيث وصلت مجتمعاتنا اليوم لخروقاتٍ دينيّةٍ خطيرة، خروقاتً جعلت خريطة العالم مقسّمةً بين العلّمانيّة التي تحكم الدّول بانفصالٍ تامٍّ عن الدّين، وبين دول ترعى الدّين بصورةٍ استهلاكيّةٍ فتقحم نفسها وشعبها بصور التّعصب الفذّ كصورة الدّولة الأفغانيّة مؤخّراً.
كيف يمكن لبشريٍّ الظنّ أن الخالق قد نزّهه بدينه عن بشريٍّ آخر؟! … تلك فقاعة الجهل قاطبة.
يعيش في الهند مليار إنسان على رقعة جغرافيّة واحدة، بتقسيماتٍ دينيّةٍ تفوق الاثنا عشر ديانة، فترى الهندوسي يتعبّد في أروقته، والبوذي والسيخي حرٌ في معتقداته، والمسيحي له كنائسه، والمسلم له مساجده، من دون هذه التّفرقة التي باتت تتخلّل مجتمعاتنا العربيّة بصورةٍ تبعث على القلق المستمر.

نرى في المقلب الآخر، سورية ولبنان كمثالٍ واضح، أن الأقليّات التي تعيش على أراضيهما تحوّلت حياتهم فيها لخوفٍ متربّصٍ بما هو آتٍ، بينما كنّا أكثر انفتاحاً على بعضنا البعض، وحوادث التّاريخ تشير إلى ذلك حتى تاريخٍ ليس بالبعيد.
نعم، كلّ شيءٍ تراه اليوم متوقّعاً، فجارك الدّرزي ليس بكافر، لديه نصوصه الدّينيّة يتّبعها في حياته، ولديه قرآن في منزله كقرآنك تماماً، ولديه قيم ومبادئ أخلاقيّة قد تضاهي ما أنت عليه من قيم تعتبرها هي الأهمّ.
صديقك المسيحي ليس بتكفيري، فتعاليم كتابه التي خُلق عليها لربّما قد تحمل بعض الاختلاف عن تعاليم كتابك، لكن هذا لا يعني التّكفير، ولا يدعو للخلاف والتّحارب، كتابه مقدّس، ونبيه مُرسل، والقيم التي توارثها من أجداده هي نفس قيمك، ولربّما أكثر.
اليهودي أيضاً ليس بصهيوني، فهنالك الملايين من اليهود يعيشون في أماكن خارج حدود الأرض المُحتلّة، عازفين عن سياسة إسرائيل ضدّ فلسطين، فليس لك الحق بتكفيره، ومحاربة كلّ من يحمل ديانة نبيّهم، ونبيّنا موسى.
ناهيك عن الأقليّات من طوائف الدّين الإسلامي في مناطقنا، أولئك الأكثر انغلاقاً على أنفسهم كالشّركس، والإسماعيليّة، والشّيعة، والعلويّة، والأكراد، والأرمن، وغيرهم.
جميعهم أقليّات خَلقتْ لنفسها مكاناً في سلّمٍ مؤلّفٍ من رفوف كثيرة، كلّ رفٍّ منها يحاول التّملّص وعدم الاقتراب من الرّفّ الذي قبله أو بعده، لا يصادق من غير الرّفوف، ولا يعمل معهم، ولا يرضى بزواج أبنائه من أبنائهم…إلخ.
بات أسلوب التّفرقة الدّينيّة معترفاً عليه هنا، وتراه أسلوب أقرب للجاهليّةِ من اعتقادنا القديم بها.
هل تقوّم حوادث أفغانستان الأخيرة تفكيرنا نحو التّفكير الأكثر سلامةً في التّعايش السّلمي؟! هل تضع لنا أُسساً للقواعد الدّنيويّة قائمة على الإنسانيّة قبل كلّ شيء؟! فقد لاحظنا جميعاً كيف فزع الأفغان من تعصّب جماعات طالبان وتطرّفهم في التعامل، على الرّغم من أنهم يتقاسمون الدّين نفسه والطّائفة نفسها، لكنهم ومع كلّ أسف لم يتقاسموا الإنسانيّة التي خلقهم عليها الخالق، بل ذهبوا لاعتباراتٍ أخرى أكثر أهميّة برأيهم.
هل سنبقى هكذا؟! أم سنتعلّم من حوادث التّاريخ وكلّ ما ارتُكب من مجازر في الحرب وما مررنا به، أملنا كبير بأن الأجيال القادمة ستحمل الإنسانيّة لمطافٍ جديدٍ بعيدٍ عن كلّ هذه الاعتبارات الزائفة.
