خطوة نحو المستقبل
د. فاطمة أحمد

كي تعرف قراءة المستقبل، وتتنبّأ بما سيحدث، وتملك كرسيّاً لك فيه، عليك فهم الحاضر وربطه بالماضي، ومعرفة كيف كنت تقرأ المستقبل!
لنضرب في ذلك أمثلة، عندما كان الهاتف السّلكي موجوداً ومستعملاً في بلادنا العربيّة كنّا نسمع كثيراً في الأخبار، أو من خلال قريب يعيش في أوروبا، أن هناك جهاز صغير يمكنك نقله معك حيثما ذهبت، وتستطيع التّواصل من خلاله مع صديق لك يعيش في آخر الأرض، فهل كنت تؤمن بهذا الكلام أم إنّك كنت تظنّه محض خرافة؟ وتقول باسترخاء كامل يستحيل أن يصل هذا الاختراع إلى بلادنا العربيّة!
عندما ظهرت منصّات التّواصل الاجتماعي، واتّضحت قدرتها السّريعة في تواصل مجموعات البشريّة مع بعضها البعض، هل كنت تتخيّل أن المستقبل سيكون لهذه المنصّات، وبأنّها ستصبح بديلة عن أشكال التّواصل الواقعي للبشر أم كنت تظنّ بينك وبين نفسك أن الأمر مبالغ فيه؟
عندما بدأت قنوات الـ”يوتيوب” بالانتشار، هل تنبّأت بأنّها ستأخذ اهتماماً كبيراً من المشاهد، وتحقّق نسباً مرتفعة في المتابعة، وبأنّها ستكون بديلة التلفاز مع مرور الزمن، أم إنّك لم تنتبه لهذه المسألة أصلاً؟ وإن لفتت نظرك بالمصادفة تابعت إهمالك لهذا التّغيير، وكأن الأمر لا يمت إليك بصلة لا من قريب ولا بعيد!

عندما ظهر الـ”روبوت” لأوّل مرّة في العام 1920 في مسرحية الكاتب التّشيكي “كارل تشابيك”، التي حملت عنوان “رجال روسوم الآليّة العالميّة”، هل كنت تتخيّل أن هذه الآلة المتحرّكة والمبرمجة على القيام بعديد من الأعمال ستكون يوماً ما بديلاً عن الإنسان في القيام بأعماله ووظائفه أم إنّك لم تبال ونمت قرير العين غير مهتم!؟
عندما قرّرت الالتحاق بتخصّص دراسي معيّن، هل قرأت حول مآل بعض المهن في العالم، والخطر الذي يهدّدها بالانقراض مثل الأعمال المكتبيّة والتّرجمة والطّباعة أم إنّك قلت بكلّ ثقة لن يتغيّر عندنا شيءٌ نحن الذين نعيش في دول العالم الثّالث؟
عندما سمعت بالـ”كوفيد19″ أوّل مرّة على الشّاشة الصّغيرة، وكيف أن نسب الإصابات في ارتفاع وازدياد هل فكّرت بنتائج ذلك على حركة العالم وتأثيراتها الخطيرة في جوانبها الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة أم إنّك مرّرت مرور الكرام على الحدث وكأنّ شيئاً لم يكن؟
وعندما سمعت بعملات لا تراها بعينيك، ولا تلمسها بيديك، بل هي عبارة عن أرقام ورموز تجدها على شاشة الحاسوب، لكلّ عملة رمز أو إشارة، فهل تأمّلت في نتائج ذلك على المدى البعيد أم اكتفيت بالاندهاش والمفاجأة وكأنّه حدث غريب قد جاء من كوكب المريخ؟
والآن، وأنت تقرأ وترى وتشاهد التحوّلات الكبرى عن المستقبل، هل تفكّر جادّاً بأنّ تذهب وتستقصي وتبحث أم تلف رجلاً على رجل، وتقول هذا كلام فارغ ولن يتحقّق إلا بعد موتنا بمئات السّنين!
