أحدث المقالاتمواهب واعدة

حين اقتنع الفقر بنفسه ..!

غنوة معروف حين اقتنع الفقر بنفسه

حين اقتنع الفقر بنفسه

أخْلِقْ لها قاعدةً جماهيريّةً، واجْعَلْ الجميع يصفْقون لها بحرارةٍ، ألبسْها ثوبَ العفّةِ، واجعلها تطرق أبواب الفقراء، لتبارك سكوتهم
عوّدّهم أن يضعوها كلّ يومٍ بين أطباقهم الخاوية، وفي فراشهم البارد، تحت المخدّة، بين أحلامهم وافكارهم وأعمالهم.

اجعلها عادةً علنيّةً، يمارسونها، ويفتخرون بها أمام بعضهم البعض، فهي مباركة، بحسب ما جعلناهم يَروون.

سَمِّها “العادة العلنيّة”، سَمِّها “القناعة”، لم تعدْ تلك التّميمة وسيلة إقناعٍ جيّدة للأجيال الصّغيرة، المهمّشة حاليّاً، التي بدأت تسأل الكبار وبإلحاحٍ: لماذا نحن؟ لماذا أنجبتمونا، وكنتم مصرّين على أن نُصهر معكم في نفس البوتقة؟
أهي أنانيّة البقاء أمّ شهوانيّة لم تُكبح فحدث الخلل؟ ذلك الصّراع الذي نشأ بين جيلٍ صغيرٍ يُقالُ عنه “أنانيٌّ”، وُلِدَ في زمن لا يَشبع ْ يلتهمُ فيك صبركَ ورضاكَ وإيمانك، وجيل أكبر عاش تحدّياتٍ مختلفة عن تحدّيات العصر الحالي، ولم يستطع الخروج من مأزق المتطلّبات الجديدة، فتمسّك بكلمة القناعة، وبدأ يتمرّجح بها أمام الصّغار لعلّهم يقتنعون بما اقتنع، على الرّغم من إدراكه التّام بأنّها كلمة تمّ تعليبها بصندوق دينيّ اجتماعيّ فكريّ جميل ليتمّ تداولها في حارات الفقراء فقط، فتعطي صاحبها قدرة على التّحمّل أكثر، وتمّ المزج الذّكي بينها، وبين الرّضا الإلهي لتتماهى ضمنه، ولتصبح الجملة الرّنّانة الوقع، الإعلاميّة والإعلانيّة التّوجّه: “أنت غير مقتنع فأنت غير راضٍ بمشيئة الله”.

حين اقتنع الفقر بنفسه

لكن هذا المزج المبتكر لم يُقنع الصّغار، وهنا كلمة الصّغار لا تعني الأطفال فقط بل تعني العشرينين من العمر، الذين يحلمون بالكثير، ويفكّرون بالكثير، جيل جامعي لديه القدّرة على التّحوّل والتّحويل، يخنقه العوز، وقلّة الحيلة، ويتربّص به تطوّر لا يستطيع أن يواكبه، وعجلة زمنٍ لا يستطيع أن يركبها، فيُدهس تحتها، ليعود ويسأل: أسينتظرنا الزّمن فلا نكبر، ونحن مثلكم قانعون بالوهم، متمسّكون بالصّمت، حاضرون غائبون؟

حوار على الهامش

ابن غير مقتنع: بابا سؤال محيّرني يعني لطالما إنت مو قدران تحققلي رُبع أو عُشر أحلامي ليش لتجيبني على هالدّنيا، وتعمل واحد طفران، فقير الحال، بيشبهك؟

الأب المقتنع: يا بابا يا حبيبي أنا شو دخلني هاد جدّك، الله يسامحه، هوي جابني وتركني طفران كمان.

الابن غير المقتنع بخوف: يعني يا بابا الطَفر بالوراثة؟

الأب المقتنع: لا يا بابا لا تخاف الحمرنة هيه اللي بالوراثة.

حين اقتنع الفقر بنفسه

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
1 تعليق
الأحدث
الأقدم الأكثر تصويت
Inline Feedbacks
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى