أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمقالات عشوائية

حكايات الليل الإغريقي

نور قاسم مطر

لعلّ أوّل ما يتبادر إلى الذّهن عند قراءة العنوان، ذاك العصر اليوناني البعيد بأساطيره وآلهته، بداية الفنّ والأدب، الحريّة والدّيمقراطيّة، ميلاد الكبار سقراط وأفلاطون وأرسطو، لكنّك ما أن تشرع بقراءة الكتاب حتّى ترى عالماً مختلفاً من الدّفء المُنسرب بين طيّات الكتاب، الدّهشة تحوطه، والقدر الخفيّ يحكمه، عالماً لصيقاً بالإنسان البسيط وهمومه، ينقلك إلى الأرض الأولى للعصر اليوناني.

كتاب (اللّيل الإغريقي) كتاب جديد لعالم قديم لكنّه يتجدّد كلّ يوم، تأليف “آنا أنجيلوبولس” ترجمه عن الفرنسيّة محمد الدّنيا، وقد حاز الكتاب جائزة سامي الدروبي للترجمة ٢٠١٩م، تنحدر حكاياه من جبل الأولمب لتمتد إلى كلّ مكان، ببساطتها تستطيع هذه الحكايا أن تنقلنا إلى صراع الخير والشّر الممتدّ عبر الأزمان، لكن الصّراع هذه المرّة لا يقتصر على الآلهة والطّبقة المخمليّة، صراع الخير والشّر  في هذه الحكايات الإغريقيّة يصوّر الطّبقة الفقيرة، فتميل الحياة تارةً لتوهمك أنّ الشّر هو الآمر النّاهي، تتخبّط، تتأرجح، فجأة ينبثق النّور وينتصر الخير، وتزدهي الحياة بكلّ معانيها للسّعادة والخير، ويخمد الشّر بجبروته وشراسته فاسحاً الطّريق لمن أحبّ الحياة وأخلص لها.

كتاب حكايات الليل الإغريقي

تعتمد تلك الحكايا على الماورائيّات التي تحدّ من طمع الإنسان، تدلف إلى عالم القصص الشّعبيّة تلك التي نُسجت خيوطها حول المواقد وترويها ألسنة الجدّات، لتأخذ إلى زمان بعيد في أقاصي الأرض، وأنت تقلب صفحات الكتاب ترى أنّه مقسّم إلى فصول وكلّ فصلٍ يضمّ عدداً من القصص المتشابهة بروايات مختلفة لتستنتج أنّ أصل الحكاية واحد، ولكن تفاصيلها تختلف من مكانٍ إلى مكان، رُويت ووُثّقت وجُمعت من كلّ أصقاع الأرض.

الحكايات ممتدّة من العصر اليوناني إلى الرّوماني فاللاتيني إلى يومنا هذا، تتوحّد حكايا الشّعوب في قصّة واحدة، فنرى قصّة سندريلا وبياض الثّلج وقصصاً أخرى، تتساءل ما الرّابط بينها؟ أيّها الأسبق؟ أين المصدر؟ تتقارض الثّقافات من بعضها لتقدّم شكلاً ما، تدور أحداثها حول فكرة الظّلم، ولا يمكن أن يتخلّص الأبطال من هذا الظّلم من دون تدخل الماورائيّات، فتسيطر الخرافة على هذه الحكايات ليدخل الأدب في اللامعقول، وعندما تنتهي من القراءة تظنّ أنّك في صلب المعقول! يتنوّع التّدخل فتارةً يكون بشريّ وتارةً خفيّ يحلّ ما حلّه مفهوم القدر.

الألهة والإغريق

حكايات تقلب الإنسان في لحظة بين مختلف أنواع الكائنات، من ثعبان إلى عنز إلى حبّة فول وغير ذلك، هل يستطيع الإنسان أن يتحوّل؟ من المؤكّد أنّه لا يستطيع، وهل يكون بعد التّحوّل في مرحلة العودة؟ من المؤكّد استحالة ذلك، لكنّها احتمالاً توضع من عالم القوى الخفيّة عالم السّحر لتعطي رمزيّة حول كنه الإنسان وما يدور حوله، تُقدّم نماذج لها علاقة بسيرورة الحياة في قصّةٍ واحدةٍ هي الخير والشّر، تتحوّل هذه القصص التي تمثّل أصل الحكايا إلى ميثولوجيا تشبه قصصاً أخرى نعرفها.

أمور كثيرة يمكن أن تخضع للتّفكير، ويمكن أن تخضع الحكاية أيضاً لكثير من التّدبّر لدراسة التّطوّر الميثولوجي في حياة الإنسان، تقول الحكاية وتقول سندريلا… كلاهما بحث عن عالم خيّر، ولكنّه في ثنايا هذه الحكايا الإغريقيّة نكتشف بحث الإنسان عن بؤرة الخير، كما نقرأ وقوع الإنسان تحت سياق ضاغط للغاية من أجل دراسة التّفكير الإنساني، وعدم إدراكه للعالم الآخر، للعالم الغيبي الذي مثّله اليونان بالآلهة المتعدّدة، ومثلته الدّيانات الأخرى بعالم القدر وعالم الغيب.

أساطير الإغريق

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى