أحدث المقالاتمواهب واعدة

حتى الأنبياء تعرّضوا للتّنمّر

بشار دولة

يا نوحُ، أتبني سفينةً وسط الصحراء، في أرضٍ جرداء، وماءُ السماءِ غابت عنها منذ أعوام؟؟ أأنت أبله؟ أسخيفٌ أنت؟

هذا سيلٌ من الاتهامات، والسّباب، والسّخرية، الذي تعرّض له نوح بين قومه، لأنّه أراد الثّقة في الإرادة الإلهيّة آنذاك، على الرّغم من أنّه ليس من المنطق في ذلك الوقت أن يصنع المرءُ سفينةً وسطِ أرضٍ قاحلة، لا ماء فيها ولا مطر، لكنّ النّبيّ في ذلك الحين لم يهتم لسخرية القوم، وتنمّرهم، هذا إن عددنا تصرفاتهم حيال نوح النّبيّ تنمّراً، وإن كان القوم هذا المصطلح كمفهوم غير متداول حينها، عموماً يمكننا اعتبار السّخرية والاستخفاف شكلاً من أشكال التّنمّر، وقصّة نوح هذه مقدّمة في الرّبط بين التّنمّر والنّجاح الذي سأتحدّث عنه في بقيّة المقال.

يُعرِّف مركز الولايات المتّحدة الوطني لإحصاءات التّعليم التّنمّر بأنّه: “السّلوك العدواني المتكرّر، الذي يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسديّاً أو نفسيّاً”، فيما تُعرّفه منظمةُ الـ”يونيسف” أنّه: “أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضدّ طفل أخر أو إزعاجه بطريقةٍ متعمّدةٍ ومتكرّرة”، وقد يأخذ التّنمّر أشكالاً متعدّدة كنشر الإشاعات، أو التّهديد، أو مهاجمة الطّفل المُتنمَّر عليه بدنيّاً أو لفظيّاً، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.

حتى الأنبياء تعرّضوا للتّنمّر

حتى الأنبياء تعرّضوا للتّنمّر

لا ينحصر التّنمّر بالأطفال فقط، فقد يتعرّض الأشخاص البالغون للتّنمّر من قبل زملاءهم في العمل أو في المدّرسة وفي الجامعة أو في النّوادي الرّياضيّة وغيرها، وتختلف أشكال التّنمّر وتتعدّد، فقد يسخر زميل من زميله في الصّف، فيطلق عليه لقباً يكرهه بسبب عيبٍ ما في جسده أو في نُطقه فنسمّيه “تنمّراً لفظيّاً” أو يحاول إيذاءه جسديّاً ونسميه “تنمّراً جسديّاً”، وقد تغار أنثى من زميلتها في العمل بسبب جمالها، أو مهارتها، فتبدأ في تلفيق الأكاذيب والسّخريات، والإهانات غير المباشرة، وغير ذلك. كلّ هذا التّنمّر يعود نتيجة الحسد والغيرة والنّقص الذي يسيطر على الأشخاص الممارسين للتّنمّر، والنّجاح والطموح الذي يكون عليه الشّخص المتعرّض للتّنمّر.

هذا “كرسيتانو رونالدو” لاعب كرة القدم الأشهر في التّاريخ تعرّض للسّخرية في بداية المشوار مع النادي الإنكليزي “مانشستر يونايتد”، حسبما ذكر “مادس تيم”، لصحيفة “ذي صّن” البريطانيّة، ومارس بعض اللاعبين التّنمّر على “رونالدو” بسبب شعره، وسرعان ما قام بقصّه، وبمحاولاته البهلوانية لإقناع المدربين، لكن إصراره على اللعب والطموح جعلاه يتغلّب على التّنمّر، ويفرضُ نفسه على الفريق بقوّةٍ حتى سطعَ نجمُه، وأصبح لاعباً لا يغيب ذكره عن مهرجانات الجوائز العالميّة.

وهذا “إيلون ماسك”

الذي حلمَ أن يقود سيارة تعمل على الكهرباء، سخر منه الجميع، وعندما فكّر بالّتّجوّل في الفضاء صابته موجات من الازدراء والتّنمّر، لكنّه اليوم صاحب أكبر شركة سيارات كهربائيّة في العالم “تيسلا”، وصاحب شركة “إكس بيس”، ولديه شركة “بي بال” لدفع الأموال بالطرق الآمنة، وكلّ هذا لأن “ماسك” تعرّض للتّنمّر في طفولته، كونه كان أصغر طالب في المدّرسة، لكنه تغلّب على كلّ محاولات النّيل من طموحه ومهاراته وذكاءه، وصار من أثرى رجال العالم.

أسماء هذه الشّخصيّات المذكورة أعلاه تحفّزت بسبب التّنمّر الممارس عليها، وتغلّبت عليه، وهكذا يمكن لمحاولات النيل منّا، وتفشيلنا أن تجعلنا من الأشخاص النّاجحين، فقط عندما لا نهتم لما يُقال عنّا ولما نّتهم به، ونمضي واضعين أهدافنا أمامنا، من دون أن نلتفت لكلّ من يمارس علينا نواقصه وحسده وتنمّره، بهذا نجعل من التّنمّر محفّزاً كبيراً لنجاحنا.

يتعيّن على الشّباب العربي المثقّف محاولة القضاء على التّنمّر أينما ثقّفوه، من خلال الحضّ على أهمّيّة محاربته بالثّقافة والنّدوات والورشات، ويتعيّن على الحكومات العربيّة أن تكرّس ثقافة محاربة التّنمّر بدءاً من المدّرسة وصولاَ للجامعة وأماكن العمل، وسنّ قوانين وتشريعات رقابيّة وعقابيّة لكلّ الأشخاص المتنمّرين.

قالوا:

“انتقم بنجاحك”، “تشي جيفارا”.

“ما يثير النّاس في الحسد ما لا يستطيعون هم أنفسهم أن يتمتّعوا به”، “إيسوب”.

“إذا لم تتقن فنّ التّجاهل، ستخسر الكثير وأوّلها عافيتك”، “مالكوم إكس”.

حتى الأنبياء تعرّضوا للتّنمّر

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى