أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمواهب واعدة

أسوأ أنواع الحبّ … حبّ التملّك!

فتون عبد الله الصعيدي

صادفتُ اليوم في المصعد جارتي الجميلة، شابة ثلاثينيّة، ولمّا سألتها عن أحوالها؛ أخبرتني أنّها فسخت خطوبتها، بسبب تصرّفات خطيبها، الذي كان يطلب منها إبقاء هاتفها المحمول في جوارها طوال الوقت، كي تردّ على الفور عندما يتّصل بها، وهذا على مدار اليوم، ويسألها في كلّ لحظة ماذا تفعل؟ وأين ذهبت؟ ومن التقت؟ ومن اتصل بها؟ على الرّغم من أنّها عاطلة عن العمل، وتعيش مع أسرتها، موضحةً أنّه إذا تأخرتْ في الرّد أو وجد هاتفها مشغولاً أو كانت في حالة (نشط) على تطبيقات أو مواقع التّواصل الاجتماعي؛ يستشيط غضباُ، ويبدأ بتكذيب إجاباتها، إلى الدّرجة التي يتّصل فعلاً بصديقاتها أو إخوتها مستفسراً عن حقيقة الأمر، ويطلب منها أن تقوم بتصوير شاشة جوّالها ليرى محادثاتها، وحدّثتني أنّها حاولت مراراً تغيير هذا السّلوك، الذي يحرجها مع المقربين منها، لكن من دون جدوى.

علاقةٌ طرديّة بين حبّ الذّات والرّغبة بالتّملّك، توضحها لنا دراسات في علم النفس، فكلّما كانت الأنانيّة مفرطة كلّما كانت شخصيّة الإنسان ميّالة إلى حبّ التّملّك.

تنتشر هذه الظّاهرة، من وجهة نظر تربويّة، بين ذكورنا في مجتمعنا الشّرقي بنسبٍ أعلى عما هي عند الإناث، حيث ينشأ هذا الشّعور منذ الصّغر، ويظهر ذلك عندما يلاحظ الوالدان أنّ الطّفل مثلاً لا يقبل مشاركة أحد في ألعابه، أو أنّه يغار بشكلٍ مفرطٍ من إخوته، عندما يقتربون من الأمّ أو الأب، أو عندما لا يقبل أنّ يكون لدى إخوته أشخاص مقربين من الأسرة أو من خارجها غيره.

هكذا يكون حبّ التّملّك للأشياء والأشخاص، وغالباً يحدث لعدم اهتمام الوالدين بالطفل، في الوقت الذي يجب عليهما إيجاد طرق تربويّة تساعد في تقويم هذه السّلوكيّات وإصلاحها، من ذلك تعليم الابن معاني المشاركة، وتقاسم الممتلكات كالألعاب مع الآخرين، وكذلك توعيته بأنّ الأشخاص ليسوا ملكيّة خاصّة له بطريقةٍ مبسّطة تبعده عن اعتبار نفسه محور اهتمام حياة المحيطين به.

يؤكّد المختصّون في علوم التّربية أنَّ تفطّن الوالدين مبكراً إلى نمو شعور حبّ التّملّك عند الابن من شأنه بناء شخصيّة متوازنة، ومعتدلة، ما يجنّبه تداعيات حبّ التّملّك عندما يكبر.

حبّ التملّك

قد ارتبط شعور حبّ التّملّك في المجتمعات العربيّة عند الرّجل لشعوره الدّائم بأنّه الطّرف الأقوى في العلاقة، وبأنّه من يجب إدارة العلاقة الزّوجيّة، كما يشرف على تسيير شؤون الأسرة، ونلاحظ أن البيئة الاجتماعيّة، التي تعترف بفوقيّة الرّجل، تبرّر سلوكيّاته التي تنمّ عن السّيطرة والاستملاك بالادعاء أنّها ناتجة عن الحبّ والغيرة المفرطة، وأنّه رجل البيت الذي يجب أخذ المرأة مشورته، وموافقته على كلّ خطوة.

أمّا في حال كانت نفس التّصرفات تصدر عن المرأة فنجد استنكاراً لها، وتوصف بأنّها غيورة، ويُستَغرب الطلب من زوجها أخذ إذنها ليخرج مع أصدقائه مثلاً.

تبعاً لذلك فإنّ غالبيّة المجتمعات العربيّة تتعاطف مع الرّجل، الذي يتذمّر من مبالغة زوجته أو خطيبته في الاتصال به هاتفيّاً، عندما يكون بعيداً عنها، ويستهجنون تدخّلها في علاقاته الاجتماعيّة، وطلبها التّعرف على أصدقائه وزملائه، حتى أنه إن كان مسايراً لها يطلقون ألقاباً عليه مثل: “أبو بدر”، كناية عن الشخصيّة المعروفة في مسلسل “باب الحارة”، حيث أنّه زوج خاضع لامرأة متسلّطة، لكن في حال اشتكت الشريكة من نفس التصرفات فإن المقربين منها وعائلتها يجيبونها بأنه أمر طبيعي وهو علامة على الاهتمام.

يؤكّد المختصّون في علم الاجتماع، أن كثير من العلاقات الزّوجيّة انتهت بالانفصال، بسبب مشاكل سببها المباشر حبّ التّملّك، فمن وجهة نظر نفسيّة يُعدُّ حبّ التّملّك بين الأزواج نوعاً من الاضطراب النّفسي والسّلوكي إذّ يطغى عند الشّخصيّات التي تغلّب عليها النّرجسيّة، وتستمد وجودها من تملّك الآخرين، والسّيطرة على أفعالهم، تحت شعار الرّعاية، والحبّ والاهتمام، ومن أبرز مظاهره الغيرة، حيث يسمح أحد الأطراف لنفسه بالتّدخّل حتى في أدقّ تفاصيل حياة الطّرف الآخر، وتحرّكاته، واتصالاته، سواء بشكلٍ مباشر وفظّ، أو عن طريق التّجسّس والتّلصّص عليه.

حبّ التملّك

حبّ التّملّك يصل في بعض الأحيان إلى درجة الوسواس والإساءة، كاتّهام الطّرف الآخر بأمور ليس لها أساس من الصّحة، ومنها الخيانة! كما يحاول هذا النّوع من الشّركاء أن يوجّه تصرّفات الطّرف الآخر، وإملاء الأوامر عليه، ويشعر بالغضب في حال عدم إطاعته، ومن الجدير بالذّكر أنّ أيّ محاولة للحصول على جواب منطقي من شريك لديه حبّ التّملّك تُعدُّ فاشلة، حيث أنّه لا يتقبّل أيّ انتقاد، وذلك في الغالب نابع من عدم امتلاكه الثّقة الكافية بالنفس.

كما أنّ هذا النّوع من الأشخاص لا يمكنه تحمّل مسؤوليّة أيّ موقف سلبي، حيث يحاول التّهرّب منه، وإلقاءه على أشخاص آخرين بمن فيهم شريكه.

إنّ حبّ التّملّك يُعدُّ من أسـوأ أنواع الحبّ، فعندما يسيطر هذا الشّعور على العلاقة الزّوجيّة قد يتحمّلها الطّـرف الآخر لفترة مؤقتة من الزّمن، ولكـن لن تـدوم طويلاً لأنّ هذا النّوع من الحبّ مؤذٍ وصعب تحمله، والتّعايش معه، وسيؤدّي إلى نفور الشّريك من شريكه، الذي في غالب الأحيان يكون الرّجل.

هنا لا بدّ لي من ذكرِ أمرٍ فكاهيّ، حيث تصدّرت منذ فترة قصيرة أغنية “مسيطرة” قائمة المشاهدات وأصبحت “ترند”، وفي إحدى حفلات الخطوبة رقصت عليها العروسة، وبسببها تمّ فسخ الخطوبة، حيث لم يتحمّل عريسنا الشّرقي أن ترقص عروسه على تلك الأغنية، وتردّد كلماتها، فمن وجهة نظره ونظر عائلته؛ أهانته ووضعته في موضعٍ يحطُ من قدره ومن رجولته!

إذاً كيف لامرأة أن تسيطر وتتملّك الرّجل؟ في حين يحقّ له هذا، بل ويتباهى به! وتتراقص فتياتنا وشباننا على أغانٍ فيها ما فيها من مفردات وتعابير ومشاعر السّيطرة، وحبّ التّملّك من قبِل الرّجل نسمعها، ونشاهدها كلّ يوم!

حبّ التملّك

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى