جوزيه ساراماجو … ومضات سريعة

“أكتب صفحتين، ثمّ أقرأُ، وأقرأ، وأقرأ.” كانت هذه الجملة التي وصف فيها الكاتب والصّحفي والرّوائي “جوزيه ساراماغو” حياته اليوميّة.
أكثر الرّوائيين البرتغاليين إنتاجاً للأدب في القرن العشرين، وأوّل أديب برتغالي حاصل على جائزة “نوبل” للآداب في العام 1998عن رواية “العمى”، لم يحققْ “ساراماغو” الشّهرة ولم يُعرف عالميّاً إلى أن بلغ سنّ السّتين، بالتّزامن مع نشر روايته الرّابعة “بالتازار وبوليميندا” 1982، الفائزة بجائزة نادي “بين” البرتغالي، لكن شهرته المحليّة كانت مع رواية “ثورة الأرض” الصّادرة في العام 1980، تناول فيها الإضرابات السّياسيّة في بلاده خلال أربعين عاماً، بأسلوب جمع بين الواقعيّة والسّرياليّة الأدبيّة.

جاء الجدل الكبير في العام 1992 بسبب رواية “الإنجيل بحسب يسوع المسيح”، وقد ثار غضب أعضاء الطّائفة الكاثوليكيّة في البلاد بعدما صوّر “ساراماغو” الإله بأنّه عرضةً للخطأ، ويمتلك مشاعر البشر المتطرّفة، وحينها قامت حكومة البرتغال المُحافظة، بقيادة رئيس الوزراء آنذاك “كافاكو سيلفا”، بعدم السّماح لأعمال “ساراماغو” بالمنافسة على جائزة “أريستيون”، بحجّة أنّها تسيء للمجتمع الكاثوليكي، ولم تكتفِ الهجمة عليه هنا بل عانى منها فيما تلا من مراحل حياته وحتى الوفاة.

أكثر النّقاط السّعيدة التي نُضيء عليها هي تحويل رواية “العمى” لفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم، من إخراج “فيرناندو ميريل” في العام 2008، من بطولة “جوليان مور”، و”مارك رافالو”، وغيرهما، وعلى الرّغم من أنّ الفيلم لم يقترب كثيراً من الألم الذي وصفته فرضيّة الرّواية إلا أنّه نال شهرةً واسعةً.
من أكثر المواقف التي تلفت الانتباه لدى هذا الروائي الصّلب، زيارة الرّئيس الفلسطيني الرّاحل ياسر عرفات المحاصر في رام الله في العام 2002، ووصف رام الله بمعسكر الاعتقال النّازي “أوشفيتس”، ما دفع إسرائيل لمهاجمته المستمرة، وعلى الرّغم من ذلك بقي ثابتاً، وبعد مرور ستّة أشهر ذكر: “المزعج في تصريحي ليس أنّني أدنت ما تقوم به السّلطات الإسرائيليّة، وارتكابها لجرائم حرب، فلقد اعتادوا على مثل هذه التّصريحات. ما يزعجهم حقّاً هي كلمات محدّدة لا يستطيعون تحمّلها، وبما أنّني ذكرت “أوشفيتز” ولاحظوا جيّداً، بأنني لم أقل أنّ رام الله تشبه “أوشفيتز”، لأنّ ذلك سيكون شيئاً سخيفاً. ما قلته أن روح “أوشفيتز” كانت حاضرة في رام الله. كنّا ثمانية كُتّاب، جميعهم أدلوا بتصريحاتٍ تُدين إسرائيل، “وولي سوينكا”، و”برايتن بريتنباخ”، و”فينشينسو كونسلو” وآخرين، لم ينزعج الإسرائيليون من هؤلاء، ولكن حقيقةً أنا وضعت إصبعاً على جرح “أوشفيتز” جعلهم يقفزون وينذعرون”.

عديدةٌ هي الرّوايات والقصص التي قدّمها “ساراماغو” وقد ترجمت غالبيّتها، لأكثر من 25 لغة في العالم، ومن أجمل سمات الكتابة في أدبه الإيمان بالحبّ منقذاً للإنسانيّة، وتركيزه على الغاية مما يكتب، وعلى الهويّة والمكان، كما ابتعد “ساراماغو” عن الإسماء، في أكثر رواياته شهرةً، ونقصد “العمى”، فهو يوصّف شخصيّاته من دون الاعتماد على الاسم، ومن صفات كتاباته أيضاً الجمل الطّويلة والطّويلة جداً.

اختيرت رواية “مسيرة الفيل” الصادرة في العام 2008 لنيل جائزة “ساو باولو” للأدب كأفضل كتب العام.
أنشأ “ساراماجو” والروائي التّركي “أورهان باموق” برلمان الكتاب الأوروبي “إي دبليو بي” إلا أنه توفي قبيل الافتتاح وكان ساراماجو في 18 حزيران / يونيو 2010 عن عمرٍ ناهز 87 بعد معاناته مع مرض سرطان الدّم.

أعلنت، بعد مرور أكثر من عام على الوفاة، مؤسّسة “جوزيه ساراماغو” في شهر تشرين الأوّل / أكتوبر من العام 2011 عن نشر ما يسمّى، الرواية المفقودة، وحملت عنوان “المنور”، التي كتبها “ساراماغو” في خمسينات القرن الماضي، وظلّت مدفونة في أرشيف أحد النّاشرين الذين تمّ إرسال المخطوطة الأصليّة إليه.
صدر له في العام 2018 كتاب “دفتر سنة نوبل” وجاء ذلك في استلامه للجائزة بعد عشرين عاماً، حيث ترك مخطوطته في يدّ زوجته.
