مناقشة شرفيّة مثيرة في جامعة مصريّة
نال درجة الدكتوراه وهو متوفى…
حينما نُصرّ على النّجاح فلا بدّ أن إحرازه سيكون حليفنا، وحينما ترتبط مسألة التّعب والجهد بالعلم ونيل درجاتٍ عليا فيه فسيكون لبلوغ الهدف نكهته الخاصّة، فالنجاح العلمي النّافع للأجيال القادمة هو ما تحتاج إليه بلادنا، لكن ماذا لو أن الباحث أو العالم صاحب العلم قد وافته المنية وهو على رأس بحثه؟!
مثالٌ حيٌّ ومباشر وقع في مصر حيث نظّمت عمادة كليّة التّربية في جامعة طنطا موعد مناقشة رسالة أحد الطلبة لكنه توفي قبل يومين من الموعد، فما كان من رئيس الجامعة إلا اتخاذ موقف نبيل وملفت من خلال مناقشة الرّسالة ومنح صاحبها الغائب درجة الدّكتوراه تقديراً لجهوده ووفاءً للعلم.
وهل أجمل من هذا الموقف؟ فقد بتنا نبحث عن مثل هذا الجمال على امتداد بقاع الوطن، وها هي الأمثلة تثبت بأننا قادرين على البناء والعطاء، فمثل هذا الموقف هو تحيّة لمن وهب من عمره سنوات طويلة في البحث والجهد والدّراسة، وهو موقف سيشجّع النّاس أكثر لمتابعة علمها وبذل قصارى الجهد، فمن حيث لا ندري سيحفر هذا الموقف في نفوسنا محبّة الوطن والارتباط به أكثر.
وحصل الباحث الرّاحل محمد ماضي ماضي شاهين على درجة الدّكتوراة في رسالة بعنوان ” تصميم وإنتاج المقرّرات الإلكترونيّة في بيئة تعلّمٍ تشاركيّة”، وفقاً لنظامي “موديل”، و”كلاسيرا” لتصميم وإنتاج المقرّرات الإلكترونيّة، وعلاقة ذلك بالتّفكير النّاقد لدعم معلمي المرحلة الإعداديّة.
وقد غيب الموت هذا الباحث قبل يومين من موعد المناقشة، بعد تعب خمس سنوات من البحث والمراجعة والسعي لتقديم رسالة تستحق تسليط الضوء والاستفادة منها وتكريسها في مناهج التّعليم، فما كان من رئاسة الجامعة إلا مناقشة الرّسالة، مناقشةً شرفيةً، ووضع صورة المتوفي على كرسيٍّ أمامهم بحضور أفراد أسرته والمقربين والأصدقاء.
قد تكون هذه الحادثة نادرة الوقوع أو ربما تحدث أوّ ل مرّة، لكن الهدف من نشرها وتداول خبرها هو أن نكرّس الموقف الإنساني، فقد جاء جور الجامعة هنا في عدم تغييب جهد الرّاحل من جهة ومن جهةٍ أخرى دعم رسالة البحث وترسيخ مبادئ الجلسات العلميّة، وبذلك يمكن القول بأن الإنسانيّة عندما تتفق مع العلم سيلد في تاريخنا مواقف نبيلة ومهمّة، وسترفع من شأننا لنزيد من القيمة الأخلاقيّة التي تحتاج إليها كلّ الأجيال القادمة.
