توفيق نزار قباني
رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

استوقفني جانبٌ في حياة الشّاعر الكبير نزار قباني لعدّة أيّام، وهو توفيق نزار قباني! الاسم الذي لم يتردّد كثيراً إلا في سطور النّعي، وعدد السّنوات التي عاشها، ودراسته في كليّة الطبّ بمصر، وفي المقدّمة، وقبل كلّ ذلك، قصيدة “إلى الأمير الدّمشقي توفيق قباني” التي أطلقها الأبّ الشّاعر بعد حادثة وفاة الابن، حيث لم تتناوله الصّحافة العربيّة بالاهتمام الممكن.
تواردت إلى ذهني مجموعة من الخواطر، هل كان توفيقاً الذي حمل اسم جدّه هو توفيقٌ لنزار قباني فعلاً؟! أم أنه وُلد ليكون خالداً في قصيدته الحزينة “الأمير الدّمشقي” فقط؟! فجاء ليكون حافزاً قاسياً آخر لوالده كي يُكمل “نزار” طريقه كشاعرٍ لا تتقافز منه الكلمات السّاحرة إلا بالتّحريض العاطفي؟! هل لعب الابن دوره كاملاً في العلاقة مع والده الكاتب والدّبلوماسي؟! ما الذي أضافه في حياته القصيرة على مسيرة والده؟! وما الذي لم يضفه؟!

ذكرت بعض المصادر عن السّبب الطبّي الذي قضى بسببه الابن “توفيق” مصيره في الموت المبكر نسبيّاً، حيث أن الولادة بحجم قلب أكبر من الحجم الطّبيعي هو ما سبّب ذلك، ويشير الرّأي الطّبي الذي سعيت له، بأن أسباب هذه الحالة كثيرة منها الوراثي، ومنها التّأخر في الإنجاب، لكنّها لا تودي بالضّرورة إلى الوفاة، على الرّغم من المشاكل التي سيعاني منها الجسد مثل ضيق التّنفس، والمشاكل الرّئويّة، لكن كلّ ذلك له علاجه الجراحي المناسب! فإذاً هل هناك شيء غير معروف بالنّسبة لي، ولمن يريد البحث عن حقيقة ما تلفت الانتباه بعيداً عن الفضول التّافه، وعدم الدّخول في الخصوصيّات؟! الجواب قد يكون موجود! وقد يكون لمرحلة لاحقة! وقد يُعلن عن نفسه مع مرور الوقت!

ذكر كاتبنا الكبير نزار قباني في مذكراته “قصّتي مع الشّعر” شيئاً عن البيئة التي نهض منها، واستقت جذوره من طبيعتها، فكان توفيق الأب – أبو المعتز – شخصيّة وطنيّة تحمل همّها للدّفاع عن الوطن وإجلاء المستعمر الفرنسي عن البلد. عندما نتوارث الاسم من الجدّ إلى الابن نحلم دائماً أن نكرّس تاريخاً أحببّناه في الشّخصيّة، فكيف إذا كان تاريخ هذه الشّخصيّة يحمل من العنفوان والثوران الشّيء الكثير؟ هل الحماس الذي لعبه الأبّ “توفيق” بحكم ظروفه الزّمانيّة والمكانيّة؛ والذي ورثه الابن “نزار” بتصعيد جمالي في لغة الشّاعر، الذي لم تنجب مثله بلاد العرب؛ هل كان انتقاصاً من عمر الحفيد “توفيق”؟! هل هكذا تفرض الأقدار قوانينها في حياتنا كبشر؟!

عذراً نزار قباني لم أتكلف في يوم ميلادك بصياغة جملٍ تصف جمال شعرك، والنّهضة التي أوجدتها في قصائدك، ولا عن الثّورة التي أردتها عبر نقدك الاجتماعي، ولا عن خصوصيّة حضورك في الضّمير العربي، ولا عن الطّفولة والنّشأة والشّباب وآخر المشوار، ولا عن أي خصوصيّة شعريّة في منتجك الثّقافي، الذي سيعيش لأجيالٍ وأجيال كثيرة، فأنت أهمّ بكثير من أن تُحصر ميّزاتك كمثقف عربي نفخر به، وبما خلّده من قصائد شعريّة فوق المعتاد، أن تُحصر في مقالة واحدة بمناسبة يوم ميلادك، فقد تعمّدت وتقصّدت الابتعاد عن كلّ ذلك، ولربّما تأجيل مثل هذا المشروع ليكون كتاباً يليق بمقامك وبمكانتك هو المُراد، ولكن لم أستطع أن يمرّ يومك من دون زيارةٍ لبيت ولادتك ونشأتك، وإلقاء التّحيّة عليه، والتّفكير والكتابة والتّذكير عبر مقال بولادة نجم أثير إلى قلبي وقلوب الملايين، فشكراً لأنّك من زماننا وننتمي إلى زمانك.

أختم مقالي هذا فيما كتبته يا شاعرنا العظيم نزار قباني عبر مذكراتك، فأنت الأعلم بمسيرتك وحياتك: “كنت أرفض أن أكون نسخة بالكاربون لأيّ شاعرٍ آخر… ففي العالم متنبّي واحد … ووردثوورث واحد… وفاليري واحد … وبابلو نيرودا واحد … وكلّ نسخة أخرى تظهر في السّوق لهؤلاء المبدعين … هي نسخة مزوّرة”.
