أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمواهب واعدة

تقول جدّتي الاستقلاليّة قرار .. لكن الانتماء واجب

حلا فطوم

تعرّضتُ في بداية حياتي الزّوجيّة للعديد من المشاكل بيني وبين زوجي، فقد صَعُبَ علينا التّفاهم والتّأقلم على الحياة الجديدة وأساليبها.

أذكر ذات مرّة أنّني شكيتُ لأمّي عن المصروف، وكنتُ أقدّم أكثر مما يقدّم زوجي، على الرّغم من أن المتعارف عليه أن هذا من واجبات الرّجل لا المرأة! فقاطعتني جدّتي قائلة: “يا ستّي الاستقلاليّة غير الانتماء، بتعرفي الفرق بينن؟؟”.

كلماتها حيّرتني، ولم أجد ما أقوله لها، لكنّها كسرت الصّمت الذي ساد، وتابعت: “الاستقلاليّة قرار، بس الانتماء واجب”.

يعني: “في بداية تخرّجك بدأتِ البحث عن عمل، ومنذ ذلك اليوم قرّرتِ ألا تطلبي المال من والديك، وكان ذلك قراراً حكيماً منك على أيّ حال. لكن، فكري في قرارة نفسك إن كانت عائلتك بحاجة المال ألن تقدّمي لها يد العون؟!”.

فكرت قليلاً، وأجبت: “نعم … بالطبع”.

فقالت جدّتي: “إذاً واجبك تجاه نفسك هو إيجاد عمل، وتحقيق استقلالك الذّاتي، أمّا الانتماء فهو أن تجدي عائلتك بحاجة مال، وتعملي جاهدةً لمساعدتها”.

قلت: “معك حق”.

تقول جدّتي الاستقلاليّة قرار .. لكن الانتماء واجب

فتابعت الجدّة: “إذاً إلى هنا تفكيرنا واحد، ومتفقتان على ذات النّقاط، أنتِ في بيت عائلتك شخصٌ مستهلك لا منتج، وإنتاجك فائض عن الحاجة، يمكنك أن تحتفظي به لذاتك، وهذه هي الاستقلاليّة بعينها، لكن في بيت الزّوجيّة أنت شخصٌ مستقل، ومنتج بالضّرورة، واستمراريّة نجاح البيت قائم على نجاحك فيه”.

قاطعتها قائلة: “لكن ماذا عن كلّ تلك الأحلام التي خبأتها لأعيشها في بيت الزّوجيّة؟”.

فأجابت: “من شجّعك على هذه الأحلام؟ لمن بحت بها؟؟”.

كان جوابي: “لصديقاتي”.

وتابعت: “يا ابنتي التّجربة تختلف عن الأحلام، ليس بالضّرورة أن تعيشي أحلام طالما حلمت بها! ما هو ضروري وثمين أن تعيشي مع شخصٍ يحبّك، ويفعل ما بوسعه لتكوني سعيدة، ما بوسعه فقط! لا المستحيل، فالشّاب بشرٌ مثلنا مثله، لديه طاقة تنفذ وقدرات تنضب! هو ليس ماردٌ قادر على أن يلبّي أحلامك كلّها. ولو سألت أحداً عن تجربة الزّواج قبيل أن تُقدمي عليها، لعرفتِ أنّها تختلف عن الأحلام، الحياة مليئة بالمصاعب يا عزيزتي، وتأمين قوت اليوم شيء بات مستحيلاً.

أن تكوني مستقلّة، يعني أن تكوني مع زوجك في بيت زوجيّة واحد، لكن أن تكوني منتمية هو أن تضعي وزوجك كلّ ما تنتجانه في خزانة واحدة، فأنتما منتميان لبيتٍ واحدٍ، وأحلامك تلك التي شجعك عليها صديقاتك هي أحلام وهميّة، ليس لها صلة بالواقع، ألم يقل أهلنا الأوائل: “اسأل مجرب ولا تسأل حكيم!”.

تقول جدّتي الاستقلاليّة قرار .. لكن الانتماء واجب

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى