بوح سماوي … رسالة إلى الله …
زينة مخلوف

جلستُ أشاهد التّلفاز في ليلةٍ خريفيّةٍ لطيفة، أنتقلُ من قناةٍ لأخرى، ويمرُّ أمام ناظريّ سريعاً ثقافاتٍ ولغاتٍ متنوّعة، أخبار الكوارث، والحياة، والموت، والاحتفالات، والإنجازات، بلدان تعيش ازدهاراً، وأخرى ينتشر فيها الدّمار والجهل، هي ليست مجرّد أخبار منوّعة من العالم، بل كانت سبباً في سؤالٍ قديمٍ جال في عقل البشر، هل الحياة عادلة يا إله الكون؟ لماذا تعيش بعض الشّعوب الرّفاهيّة، وأخرى تعيش الفقر والقهر؟
خطر في البال مشاركة النّاس هذا السّؤال على صفحتي الشّخصيّة في أحد مواقع التّواصل الاجتماعي، فهم من بلدان مختلفة، ومن ثقافاتٍ لا تشبه بعضها البعض، وبعد حين بدأت الإجابات تتوارد، ومنها إجابة لشاب عراقي الجنسيّة، اسمه محمد، حيث قال: “العدالة مفهوم فضفاض لمجتمعات لا يمكن أن تتحقق فيها العدالة، وفيها الإنسان الجشع، وهذا الجشع هو السّبب في كلّ ما يحدث من كوارث”.
سيّدة من لبنان تدعى “مارلين” ناجية من انفجار بيروت الذي حصل في الرابع من شهر آب ٢٠٢٠، رأت أن الله يعلم أن الحياة قصيرة، لذا يجب أن نعيشها بكلّ مراحلها، ونتصيد أوقات الفرح، لأنها قصيرة، وأضافت في تعليقها: “ما أصعب ألا يعود وطنك مصدر أمانك”.
لكن هذا لم يتناغم مع رأي علاء الشّاب السّوري المكافح، الذي خسر أمواله وعائلته بسبب الحرب، حيث علّق: “الفقر في الوطن غربة” هذا صحيح، فقد ضاع دافع هذا الشاب في الشّغف بالحياة أمام هول المصيبة التي ألمّت به، وسلم نفسه للأقدار تسليماً يائساً، ومن رأيه أذكر: “… أين العدالة والحكمة من كلّ هذا الخوف والفقد؟ بلحظة فقدت كلّ شيء ولا أعلم لماذا حصل هذا معي؟”.
أمّا أمينة الفتاة السّعوديّة، فأكبر همومها العنوسة، وما تعانيه المرأة في ظلّ كوكبٍ يحكمه الرّجال، فيما أكّدت سيّدة من تونس بأن أكثر ما أخافها هو زمن الأوبئة الذي نعيشه فيه.
توجّهت إلى غرفتي، وضوء قمر شهر أيلول غير المكتمل، يعكس نوراً باهتاً بين أملٍ يولد من رحم الظّلام، وبوحٍ يعتريني لأخبر الله بما أشعر، فهذا العالم أكبر من أن يتحمّله البشر، وأوسع من أن يدركه العقل.

اطلعتُ سابقاً على بعض الكتب التي تُعنى بمواضيع من الرّوحانيّات وعلوم الطاقة، ومن بينها كان كتاب “ذا سيكرت” الشّهير، وأنا شخصيّاً أؤمن بقوّة العقل، وأهميّة الروح، وبجدوى التّأمّل، وفي لحطةٍ واحدة تشجّعت فيها، وعرفتُ أنه سيسمعني، أغمضت عيناي، وقلتُ: يا رب إنك عليمٌ بما يحصل على هذا الكوكب…
تابعتُ: “كلّ شيءٍ سينقضي، والحبّ سينتهي، الصّداقات ستزول، النعم ستختفي، والصّحة ستودّع أجسادنا، غضب الطبيعة من الإنسان سيدمّر أوطاناً، أولادنا ليسوا لنا، وزماننا متغيّر، لا شيء ثابتٌ إلا رحمتك، والعمر يمرّ، وما نعيشه اليوم قد لا يكون غداً…”.
فجأة، وكأن صوتاً روحيّاً يقول لي: “قوّتك تكمن في أن تدعيها تعبر… أنتِ لستِ متّكئةً على أحد، أنا هنا لأجلك دائماً…”.
تشجّعت وتابعت بوحي: “يا ربّ، هل لي أن أخبرك فيما ما يدور في عقلي، أعلم أنك ترى، وتسمع آهات وأفراح النّاس، هل لي أن أخبرك بأنني وبعد الامتنان لتجارب خضتها؛ أصبحت أشعر أننا نعيش في عالمٍ قاسٍ؟ فهل يعقل أن تكون حياتنا جزءاً من سلسلة حيوات؟! أمّ الحياةُ حلماً طويلاً نختبر فيه مشاعر التّعاطف، الجشع، الحبّ، الكره، والانتقام؟ ثمّ تختار لنا نهايتها ببصمة القدر المحتوم…”.
ويأتي الصّوت ليخاطبني: “يا ابنتي، منذ لحظة الخلق هبط البشر إلى الأرض ليعلموا أن الحياة امتحانٌ قاسٍ، ولكن الرّحمة والمحبّة والصّدق هم أدوات النجاة، لن يتغيّر الكون ما لم يغيّر النّاس ما في أنفسهم، يوم تسوّد وجوه، وتبيّض وجوه…”.
وبعد حديثٍ طويلٍ لن أتمكن من ذكره بتفاصيله هنا ختمت بوحي بامتنانٍ، وقلت: “شكراً ربي على نعمة الصّحة على الرّغم من الأوجاع، شكراً على نعمة العمل على الرّغم من التّعب، وشكراً على نعمة الحياة على الرّغم من المطبّات، ونعمة النّجاح على الرّغم من بعض السّقطات، ونعمة العقل على الرّغم من بعض التّهور…”.
شكراً … فلولاك ما أطلّ صباحٌ بعد طول ظلام.
