أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمواهب واعدة

خطابُ “بوتينْ” التّاريخي

محمد أحمد غزال

لقدْ شكّلَ خطابُ “بوتينْ” حدثاً تاريخيّاً وقوميّاً للأمّةِ الرّوسيّةِ، لمْ يكنْ استعراضَ حربٍ إنّما كانَ تكتيكاً قوميٌاً وتعبويٌاً استعداداً لنشوبِ أيِّ حربٍ، ولقدْ شكّلَ اعترافُ “بوتينْ” بـ”دونيتسكْ”، و”لوغانسكْ” خطوةً دبلوماسيّةً لتشتيتِ جهودِ أوكرانيا للانضمامِ لحلفِ النّاتو، لا شكّ أنَ نشوبَ الحربِ الآن يعتمدُ على الرّدِّ الغربيِ على روسيا، والرّدِّ الأوكرانيِ على الجمهوريّتينِ، “بوتينْ” قالَ :إنَّ العقوباتِ قادمةٌ لا محال، وستُفرضُ علينا باستخدامِ حيلٍ إعلاميّةٍ، أيْ أنّهُ غيرُ متخوّفٍ منْ فرضها أوْ مستعد لها، لا شكّ أنَّ روسيا اتخذتْ تدابيرَ على المدى البعيدِ بشأنِ هكذا قراراتٌ منذُ السّيطرةِ على جزيرةٍ القرمْ، إضافةٌ لذلكَ إعلانُ الاعترافِ هوَ إلغاءُ اتفاقيّةِ “مينسكْ” التي نصّتْ على العديدِ منْ البنودِ التي تضمنُ السّلامَ لروسيا أوكرانيا، وعدمِ دعمِ روسيا للجماعاتِ الانفصاليّةِ وعدمِ اتخاذِ أوكرانيا قراراً يهدّدُ الأمنُ القوميُ الرّوسيُ.

بوتين

هذا الحراكِ الدّوليِ جعلَ العالمُ اليومَ أمامَ منعطفٍ خطيرٍ لمْ يشهدهُ العالمُ منذُ الحربِ العالميّةِ الثّانيةِ، فخطابُ “بوتينْ” شكّلُ التّأصيلِ التّاريخيِ والتّأسيسِ القادمِ لاستقلالِ “دونباسْ”، والدّعمُ العسكريُ المتوقعُ للجماعاتِ المواليةِ لروسيا في وجهِ أوكرانيا وحلفائها، لعلَّ خطورةَ الوضعِ الحاليِ أنَ الجميعَ على حافةِ الهاويةِ، روسيا والولاياتِ المتحدةِ والاتحادِ الأوروبيِ والناتو وفي المنتصفِ كوجودٍ رمزيٍّ أوكرانيا، منْ سيتراجعُ وسيتكبّدُ خسائر فادحةٍ أقلّها الانتخاباتُ والمستقبلُ السّياسيُ، وأقصاها اضطرارُ الطّرفِ الخاسرِ للتّخلّي عنْ الكثيرِ منْ شواغلَ ومحدّداتِ أمنهِ القوميِّ، يخبرنا التّاريخُ أنَّ التّراجعَ في ظروفٍ كتلكَ لا يحدثُ طواعيةَ أوْ بالمفاوضاتِ، وإنّما بعدُ اشتعالِ الصّراعِ الذي بدورهِ يحدّدُ الفائزُ والخاسرُ بالدّمِ والنّارِ على غرارِ الحربينِ العالميّتينِ السّابقتينِ.

بوتين

لقدْ عملَ “بوتينْ” عبرَ عقدينِ منْ الزّمنِ ليعيدَ الأمجادَ القيصريّةَ، وليقفَ اليومُ أمامَ هكذا مرحلةٌ تشكّلُ فرضَ أمرٍ واقعٍ بقوّةٍ عظمى تعطي التّعدديّةُ القطبيّةُ بمفهومٍ أكثرِ عدالةٍ دوليّةٍ لرسمِ الإطارِ الجيوسياسيِ للدّولِ، لتودّع زمن الأحاديّةِ القطبَ المتحكّمَ بقراراتِ أنظمةِ الدّولِ، لقدْ وجّهَ “بوتينْ” الرّسائلِ النّاريّةِ للدّاخلِ والخارجِ منتقداً القادةَ البلاشفةَ في التّفريطِ بالتّرابِ الرّوسيِ كثمنٍ للبقاءِ في السّلطةِ، لقدْ أعطى المعاييرَ الخاطئةَ التي بنوا عليها، مشيراً إلى أنّ الغرب لا يريد أحداً أقوى منه، لقدْ صاحب خطابِ “بوتينْ” إلى ارتفاعِ أسعارِ النّفطِ بقفزاتٍ عالميّةٍ والتّوتّراتِ التي شهدها العالمُ عموماً وفي أوروبّا خصوصاً، فورقةُ العقوباتِ التي تلوّحُ بها أميركا لها تبعاتٌ مدمّرةٌ على أوروبّا بشكلٍ كاملٍ منْ وجهةِ نظرِ موسكو التي لوّحتْ بورقةِ الغازِ عصبَ الصّراعِ الرّوسيِ الغربيِ، فهلْ يغامرُ “بوتينْ” بأخطرِ مرحلةٍ في الاتحادِ الرّوسيِ؟

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى