برامج سخيفة … ماذا نشاهد اليوم؟!
سارة المقداد

يبدو أنّ كلّ شيء تغيّر من حولنا، لا شيء ثابت على الإطلاق، حتى برامج التّلفزّة فقدت وجباتها الخفيفة، نتيجة الدّسم المغشوش الذي سُكِبَ داخل أروقة التّلفزّيونات، وأصابَ المشاهدين بأعراضٍ سُميّة، أدخلتهم بحالةِ سباتٍ عميقة، لا يخرجُ منها إلا كلّ ذي عقل.
أقولُ كلامي هذا بعدما حاولت، يوم أمس، إمضاء وقتي كأيّ مُتابع أو مُشاهِد أمام شاشة التّلفزيون، لمتابعةِ شيءٍ مفيد أو مسلٍّ حتى، ولكنني لم أجد نفسي إلا أمام تنافس فضائي على تحقيق الرّبح، برامج مثيرة للجدل، فارغة المضمون، تتفنّن بدقّة في نشرِ غسيل ضيوفها وإخراجها للعلن، من دون أيّ تفريق بكسرِ الـ”تابوات” بغية معالجة مشكلة ما، أو كسرها للإثارةِ والمتعة.
وأقصدُ بالإثارةِ هُنا على سبيل المثال، مرور فقرة بأكملها ضمن أحد البرامج، حول إجراء فنانة ما عمليّة رفع لمؤخرتها، هل الخبر صادق فعلاً أم إنها “خلقة الله”؟! بالفعل عادات التّحاور تغيّرت، كنّا نسأل الفنان عن أغانيه القادمة، الآن مؤخرتها وعضلاته أهمّ!
نستنسخُ عقولَ الغرب، نقتات على أفكارِ برامجهم، كصنعِ مواهبٍ شابّة عبر برامج “النّجومية”، أو تشكيل فرق مسابقات لتحضير الطّعام عبر برامج “الأكل”، أو التّحقيق مع المشاهير وكأنّ المقدّم يجرّهم إلى المحكمة، أو الحصول على عريسٍ مثلاً ضمن أحد البرامج التي يعرضُ الشّاب فيها نفسه وجسده ومهاراته للفتِ نظر المشاركات اللواتي يملأن الهواء بالعباراتِ الفاحشة والرّخيصة والجنسيّة الفاضحة. كلّ البرامج تلك تُنتج بميزانيّاتٍ ضخمة، وكيف لا وهي تحقق الأرباح من الإعلانات التي ترافقها أثناء بثّها، أو بسببِ نسب المشاهدات العالية، التي تؤكّد دوماً جملة “الجمهور عايز كده”.

ولا مانع بالطّبع من تجربة أفكارٍ مُقلّدة، طالما النّتيجة ناجحة ومؤثّرة، ولكن أليسَ بمقدرتنا تجديد الجهود والكفاءات العربيّة العالية، التي بذلت قصارى جهدها للخروج بفكرةٍ جديدة عبر برامج متعدّدة ترضي جميع الأذواق، ك “مذيع العرب” الذي سنحَ للشّباب الموهوبين إعلاميّاً بتجربةِ حظّهم، أو “اراب كاستينغ” الذي بدوره أيضاً فتح أبواب النّجوميّة المسرحيّة والتّمثيليّة للشباب، وغيرها من البرامج المُتعلّقة بالنشاطات العلميّة والثّقافيّة خصوصاً المُتعلّقة منها بالشّعرِ العربي.
هل نحن عاجزون فعلاً عن إعطاءِ أصحاب الفكر المتجدّد حقّهم، أم عاجزون عن إنتاجِ أفكارٍ جديدة تعبّر عن هويّتنا العربيّة؟ هل أفكارنا البرامجيّة أصبحت يتيمة إلى هذا الحدّ، ألم نكن نحن الذين قدّمنا لشعوبنا البرامج الثّقافيّة، والكوميديّة، من دون أن نستخف بالعقول، أو نستجلب الضّحك بالتّهريجِ والبذاءة، حتى أفلام الكرتون كانت تحمل في طيّاتها أفكاراً مفيدة للأطفال.
ألستم من البلدان التي أنتجت عبر السّنوات السّابقة، برنامج “مواهب ونجوم” الذي أطلقه الفنان اللبناني سامي كلارك عبر تلفزيون لبنان، أو “فوازير شريهان” عبر التّلفزيون المصري، أو “خبّرني يا طير” البرنامج الاجتماعي الذي قدّمه الفنان السّوري “جهاد سعد” عبر القناة السّوريّة لمساعدةِ النّاس بالعثورِ على أقربائهم الغائبين او المفقودين من فترةٍ طويلة.
بالفعل كلّ شيء تغيّر، لذلك ما علينا اليوم إلا الجلوس على المقاعد الوثيرة، وانتظار طيرٍ ما يُخبرنا كيف نعيد برامجنا المفقودة، وكيف نواجه تلك الفظاظة الإعلاميّة القائمة على الأموال والأجساد، باستثناءِ القلّة.
