بابا نويل كذبة!

كانت22 عاماً كفيلةً بتبديل الكثير من القناعات والأفكار، عزيزي “بابا نويل” كنتَ أوّلها، يعود بي الزّمن ببطء إلى المحطّة الأولى في الصّغر، عندما كنت أكتب ورقةً قبل كلّ عيد ميلاد، أرتّب فيها أُمنياتي التي أودّ أن تتحقق في حياتي، وأعتني بها بحبٍّ، وأحرص عليها من أيّ مكروه.
قلت لصديقتي ذات مرّة في المدّرسة أن بابا نويل يغيّر الحياة، ويجعل البشر سعداء، يهبط من فوّهات المداخن في البيوت، ويجلب الهدايا للأطفال، وأخبرتها حينها ألا تلبس جوارب، وترتب قائمة أمنياتها كي تعطيها له، عملاً بقول جدّتي التي قصّت عليَّ حكايا النّوم قائلة فيها: “إنّ الأطفال في جميع أنحاء العالم ينتظرون بابا نويل، وكلّ أمنية يتمنّاها أيّ شخصٍ تتحقق، فهو يحبّ الأطفال الجميلين، ويوزّع الحلوى والأطعمة والمشروبات على منازل الفقراء والمحتاجين”، أتذكّر وقتها أنّي انتظرته طوال ليلة معيّنة من ليالي الميلاد، ولم يأت، جلست قرب النّافذة راقبت السّماء علَّ أحداً من غزلانه تطلُّ ووراءها عربة، لكنّ صفير الهواء خارج النّافذة، وسرعة الرّيح جرفت أحلامي وأمنياتي معها، ونمت حزينةً.
كبرتُ بعدها لأعرف أنه لا وجود لشخصٍ يدعى “بابا نويل”، وأنّ بيتنا بيت عادي، لا يحتوي “شومينيه” لوضع هداياه، لكنّه يحمل من الحبّ والدّفء الكثير.

أنشأ أهلنا هذه الكذبة البيضاء لنبقى سعداء في ليلة الميلاد، إضافة لذلك عرفت أنّ كلّ الاحتفالات والطقوس التي تُنظّم في جميع بلدان العالم هي شخص يلبس زيّاً يُوّهِمُ الأطفال بـ”سانتا”.
تستوقفني ذاكرتي لأستعيد خلطة السّعادة في الصّغر، وأتذكّر فرحتي بشجرة الميلاد، وحفلات “بابا نويل” في المدّرسة، ويأتي صوت جدّتي التي كانت تقول: “إنّه يوزّع الهدايا والأطعمة على النّاس الذين لا يملكون نقوداً”، وتتردّد هذه الجملة في ذهني أثناء جلوسي أمام شاشة التّلفاز، مشاهدةً إحدى النّشرات الإخباريّة، التي تصف الوضع المعيشي السّيء في عدّة بلدان، وعن صعوبة تأمين فرص العمل، والأدوية، والرّواتب القليلة، منوّهين إلى اقتراب الميلاد، وصعوبته على أناس كثر، لأتذكر فقط بابا نويل!
إنّ الفرحة المسلوبة اليوم؛ لكثير من الأطفال، والأُسر، حول أنحاء العالم، تحتّم ضرورة وجود بابا نويل حقيقي، يحقق الأمنيات، ويوزع الطّعام، في ليلة الميلاد، على كلّ محتاجٍ أو يتيم، ويجلب الكثير من الجوارب الدافئة، والزّينة اللامعة، فكم يعتقد الكثير من الأطفال أن بابا نويل حقيقي بثيابه الحمراء وشواربه البيضاء، وما أحوجنا إلى فرح القلب الحقيقي في ليلة الميلاد، ويا ليت بابا نويل تلك الكذبة البيضاء تتحقق.
